تتصاعد وتيرة التوتّرات في مدينة طرابلس التي عاشت “استقراراً أمنياً” استمرّ لأسابيع باحتواء من القوى الأمنية، لكنّ هذا الواقع “المؤقّت”، انقلب في “يوم وليلة”، بعد ارتفاع حدّة المشكلات والاستفزازات المفاجئة خلال الساعات الأخيرة، والتي اعتادها أهالي المدينة تحديداً قبيْل حلول الأعياد التي تفتح “نفس” التجار على العمل.
الصراعات (التي غالباً ما تكون ناتجة عن خلافات عائلية)، تعود إلى الواجهة من جديد في اليوم الأوّل من شهر ذي الحجّة الهجريّ والذي يسبق حلول عيد الأضحى المبارك بأيّام، من خلال شلّ الأسواق الدّاخلية من جهة، والاشتباك في مخيّم البدّاوي من جهة ثانية.
الأسواق
يبدو أنّ شلّ حركة الأسواق خلال موسم الأعياد بعد افتعال مشكلة ما، بات من الحركات المعتادة، إذْ يُعبّر أحد المواطنين لـ “لبنان الكبير” عن صدمته حين دخل إلى الأسواق الشعبية في المدينة ليجدها فارغة، ويقول: “لست معتاداً هذا الفراغ، لكن أحدهم نصحني بالخروج مسرعاً من السوق تحسباً لحدوث مشكلة كبيرة، وهو ما حدث بالفعل بعد سماعنا صوت الرصاص”.
المصادر العسكرية توضح لـ “لبنان الكبير” أنّ عملية توقيف قامت بها دورية من الجيش والمخابرات لإلقاء القبض على المطلوب حاتم الجنزرلي بغية التحقيق معه، أحدثت بلبلة مسلّحة في الأسواق حيث يقطن ويعمل، وهي باتت معتادة عند إطلاق القبض على المطلوب الخطير والذي لن يكون الوحيد في الفترة المقبلة، ففي اليوم عينه جرت أكثر من مداهمة، إحداها في التبانة بعد اشتباك كبير وقع صباحاً”، معتبرة أنّ “ما يحدث في طرابلس من مشكلات وردّ فعل ضدّ أداء العناصر لدورها، يُعتبر تجاوزاً من متورّطين تُغطّيهم جهات سياسية تسمح بدخولهم إلى التحقيق مرّة ليخرجوا في اليوم التالي، أمّا الجنزرلي فلا نستبعد خروجه عقب تدخلات واتصالات سياسيّة تستفيد من وجود هذه الشخصيات التي اعتدناها منذ زمن قادة المحاور، ما يُفسّر سبب الافراج عنها حالياً أو هروبها مسبقاً بتسويات”.
مصدر من السوق، يلفت إلى “غضب عمر الجنزرلي (شقيق حاتم)، من اقتياد القوى العسكرية شقيقه إلى التحقيق، الأمر الذي دفعه إلى جمع بعض الشبان وتهديد القوى الأمنية بفتح معركة وبقطع الطرق، خصوصاً وأنّه أرسل مقطعاً صوتياً انتشر عبر المواقع يُثبت هذا التهديد، فأطلق مع عدد من الشبان الرصاص، ما أدّى إلى إقفال السوق بنسبة 90 بالمئة، (أيّ من طلعة أبي سمراء تحت القلعة، مروراً ببركة الملّاحة، سوق الذهب، سوق العريض، سوق العطّارين، ووصولاً إلى ساحة النّجمة)، بحيث أقفلت المحال وأجبر المواطنون على الهرب من بيوتهم خوفاً من معركة محتملة، مع العلم أنّ الجيش انتشر أيضاً في الأسواق”.
ويستذكر المصدر “مشكلة وقعت بين آل الجنزرلي، آل م.، وآل ش. خلال شهر رمضان الفائت، بسبب المولّدات والاشتراكات الكهربائية، نظراً الى اعتياد بعض هذه العائلات مبدأ الخوّات والسرقة، ومن أفرادها حاتم الجنزرلي الذي يعود تاريخه في قبض الخوّات إلى حوادث طرابلس حينما كان قائداً لمحور باب الحديد. وفي العام 2013، أصدر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر أمراً بتوقيفه، لأنّه كان يفرض خوّات ويستفزّ عناصر الجيش، ولكن أفرج عنه عقب مرور ثلاثة أشهر تخلّلتها اعتصامات وقطع للطرق في المدينة للمطالبة بإطلاق سراحه ونفذتها عائلته التي تتحكّم بسوق السمك أيضاً، واستمرّت عمليّات إلقاء القبض عليه حتّى العام 2023 حين خرج من السجن الذي دخل إليه على خلفية اشتباكات مع آل ن.”.
وينفي علمه بسبب توقيفه حالياً، “لكنّ الفوضى قد تكون ناتجة عن أمرين، إمّا بسبب سعيّ بعض الجهات الى الحدّ من حركة السوق المقبولة حين لا تصبّ في مصلحته، أو بسبب تعدّيات لشبّان تُغطّيهم جهات سياسية وأمنية تستغلّهم للإخلال بالأمن عند اللزوم، وهي تعرفهم جيّداً ويُمكنها إلقاء القبض عليهم”.
المخيّم
على خلفيّة وضع حاوية “كونتينر” بقصد استخدامها كمقهى، لم يكد غبار الاشتباك المسلّح الذي وقع في مخيّم البدّاوي منذ أيّام (بين آل صالح وعبد الوهاب) ينقشع، حتّى اندلعت اشتباكات جديدة بينهما أدّت إلى سقوط جريحين (إلى الآن) وأغلقت معها مداخل المخيّم ومخارجه. ويقول مصدر من المخيّم لـ “لبنان الكبير”: “بعد مقتل الشاب قاسم حسن في الاشتباكات عن طريق الخطأ منذ ثلاثة أيّام تقريباً، تمّ الاتفاق على تسليم 15 مشتبهاً فيهم من الطرفين (7 من فريق و8 من آخر)، عقب تدخل وجهاء المخيّم وفصائله، بعدما اجتمعا ليلاً لهذه الغاية، لكن الطرف المدان أخلّ بالاتفاق (من آل صالح)، فيما عمد المتهم بالقتل إلى الخروج من منزله أثناء واجبات التعزية في يومها الثالث وهو مسلّح، وحدث إطلاق نار وأصيب، ليدخل إلى مستشفى الحكومي وبات في عهدة مخابرات الجيش، فيما تُتابع الفصائل الفلسطينية وكذلك القوى الأمنية التي ننسق معها، تسليم بقيّة المتهمين التزاماً بالاتفاق”.