وحده الخوف يطيح عون!

أنطوني جعجع

هل يؤمن الرئيس ميشال عون حقاً أنه قاد مسيرة سياسية وعسكرية وإدارية ناجحة، وأن لا شائبة تشوب أي مهمة تولاها أو أي معركة خاضها أو أي مسؤولية تحملها؟ وهل يؤمن أنصاره وأنصار “التيار الوطني الحر” أن الرهان الذي ناضلوا من أجله أدى قسطه، وأن الرجل الذي تعلقوا به كان على قدر الآمال والحسابات؟

وأكثر من ذلك، هل يؤمن “حزب الله” أن عون كان حقاً الشريك الذي يمكن أن يجر المسيحيين، كل المسيحيين، إلى مشروعه السياسي، والحاكم الذي يستطيع أن يقود بلداً معقداً ومتشابكاً في مرحلة حساسة وحرجة تمتد من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط، والرئيس الذي يمكن أن يتقدم الصفوف في مواجهة التيار السني الذي يقوده أنصار السعودية والتيار المسيحي الذي يقوده حزبا الكتائب والقوات اللبنانية في شكل خاص، والمدعوم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من المجتمعين العربي والغربي؟

لكن السؤال الذي يطغى على هذه الأسئلة ويسبق الإجابات: ماذا يمكن أن يفعل عون وفريقه السياسي الذي يقوده جبران باسيل في الأشهر الأخيرة من عهده؟

يكاد لا يختلف اثنان على أن عون خرج من ترف الوقت بعد أقل من عامين على توليه الرئاسة، عندما استسلم للتركيبة السياسية والأمنية والمحاصصية والمافيوية التي كانت تدير أمور البلاد في السنوات الثلاثين الماضية، وهي تركيبة رسختها سوريا وتبنتها إيران وتماهى معها التيار الوطني الحر لاحقاً إلى الحد الذي تحول إلى شريك أساسي في مكان وشريك مضارب في مكان آخر.

ولا يختلف اثنان أيضاً، على أن ثمن الرئاسة لم يكن ثمناً عادياً أو ثمناً قابلاً للتعديل أو المفاضلة، بل ثمن لا يقبل أي جدل أو اعتراض أو تهرب أو تشاطر، وهو: لك الرئاسة ولنا الدولة، لك السلامة ولنا الأمن، لك القرار المسيحي ولنا القرار الوطني… وليس غريباً أن يسلم عون ببنود الاتفاق غير المكتوب في “مار مخايل” ما دام يفتح له طريق العودة إلى القصر الذي خرج منه بالقوة .

أليس هو من قال ذات يوم: إما أكون رئيسا للجمهورية أو لن تكون هناك جمهورية… أليس هو من تولى الحكومة العسكرية الانتقالية على أساس التخلص من الترسانة العسكرية العراقية المنتشرة في شرق بيروت بقيادة القوات اللبنانية، وذلك إرضاء للرئيس حافظ الأسد المنزعج من تنامي نفوذ الرئيس صدام حسين على حدوده مع لبنان؟ أليس هو من عاد من باريس عبر تفاهم مع دمشق وطهران و”حزب الله” يقضي بتعويم فريق “الثامن من آذار” المتهاوي بعد انسحاب القوات السورية من لبنان؟ أليس هو من خدر المسيحيين في كتابه البرتقالي وانتزع منهم غالبية كان يأمل أن تقوده إلى قصر بعبدا بصفته الأقوى مسيحياً؟ أليس هو من غطى حزب الله في “غزوة” الثامن من أيار وتصرف وكأن الأمر له ، ومن أسقط حكومة سعد الحريري إرضاء للمحور السوري الإيراني الواقع تحت ضغط المحكمة الدولية؟ أليس هو من يجيز لنفسه ما لا يجيزه لسواه ويعيب على سواه ما لا يعيبه على نفسه، معتمداً على قاعدة شعبية لا تحاسب ولا تكاشف ولا تتوقف عند أي تحول غريب أو أي وعد ضائع؟

نسرد هذه الأسئلة – الوقائع للتأكيد على أن هذا الرجل الذي سعى إلى الرئاسة الأولى من خلال حروب أدمت جيشه وشعبه ودمرت بيئته ووضعت بلاده تحت احتلال سوري كامل، ومن خلال رهانات عشوائية وتنازلات فيها الكثير من الشبهات، لن يتنازل عن الحكم ما دام لا يستشعر أي خطر يشبه الخطر الذي عايشه في ١٣ تشرين وفر منه نحو السفارة الفرنسية.

ولا نروج هنا لأي عملية عسكرية من هذا النوع ما دام يحظى بولاء الجيش وحماية “حزب الله” ولا نتوقع أن يتنحى من تلقاء نفسه، ما دام يشعر بالأمان وما دام الخطر بعيداً من أسواره.

من يعرف ميشال عون يعرف أن الرجل وضب حقائب الرحيل مرتين من قبل، المرة الأولى عندما سقطت سوق الغرب في قبضة القوات السورية والمشتركة خلال حرب التحرير، والمرة الثانية عندما حلقت “السوخوي” السورية فوق القصر الجمهوري إيذاناً ببدء معركة الإقالة بالقوة.

ولم يكن وضع عون خلال ثورة السابع عشر من تشرين أفضل حالاً، وتحدثت أوساطه عن شبه انهيار كاد يتطور إلى حدود الانسحاب لولا الرافعة الأمنية التي وفرها “حزب الله” ولولا الاستعانة بألوية من الجيش موالية للتيار الوطني الحر.

ولعل الحقد الذي يكنه عون للرئيس الحريري يعود إلى استقالة الأخير خلال الثورة، وهي الاستقالة التي اعتبرها تخلياً عنه و”طعنة في الظهر” وفق أحد المقربين منه.

في اختصار، ليس في خلفية الرئيس اللبناني أي عقدة ذنب في ما آلت إليه الأمور، انطلاقاً من عقدة اضطهاد مزمنة تضعه دائماً في خانة المستهدف بالسوء والحرام، وليس في حساباته أي اتجاه للتنحي حتى لو فتحت أبواب جهنم عن آخرها، فهو، لمن يعرفه، يعمل الآن لتحقيق هدفه التالي بعد هدف الرئاسة، أي الخلافة.

وفي اختصار أيضاً، لم يرف جفن عون عندما خاض ثلاث حروب قاتلة ومدمرة وخاسرة، وعندما قامر بكل القوة العسكرية المسيحية في معارك عبثية، وعندما زار سوريا في شكل اعتذار غير مباشر، وعندما تحالف مع حزب يطمح لبناء جمهورية إسلامية، وعندما قطع الطريق على حليفه سليمان فرنجية في السباق على الكرسي الأولى، وعندما اعتدى على البطريرك مار نصرالله صفير معتبراً أن الراعي يجب أن يتبع الرعية، وعندما تفاهم مع سمير جعجع على رغم ما كال له من اتهامات وفتح له قبوراً، وعندما تبنى سعد الحريري على رغم موقفه الملتبس والخجول من المحكمة الدولية… المهم أن يصبح “فخامة الرئيس” ولو على وطن سليب، ولو على أرض محروقة، ولو على شعب مقهور، ولو على سيادة منقوصة، ولو على ارتهان مطلق ولو على وعود واهية. ما يريده عون اليوم هو تأمين طريق جبران باسيل إلى قصر بعبدا، وما يريده هو إما حكومة توفر له الغالبية النيابية المطلوبة وإما الإبقاء على الغاليية الحالية وكل ما عدا ذلك ليس إلا ضرباً في الهواء.

عون لن يرحل إلا عندما يخاف، والخوف هذه المرة يأتي من عاملين: أمرٌ من حسن نصرالله، وهو عامل غير وارد لأسباب استراتيجية وحسابية آنية ، وثورة شعبية يقف فيها الجيش على الحياد، وهو عامل بحتاج إلى قرار دولي – عربي يشبه ما جرى ذات رابع عشر من آذار … وغير ذلك عبثاً تحاولون…

شارك المقال