العدالة رهن التسويات السياسية في ذكرى تفجيريّ “التقوى والسلام”!

إسراء ديب
إسراء ديب

ترك تفجيرا مسجديّ التقوى والسلام، بصمة قاسية على أبناء طرابلس على الرّغم من مرور كلّ هذه السنوات، وبقي هذان التفجيران غصّة في قلوب الطرابلسيين الذين لم تزدهم التحقيقات ونتائجها إلّا نفورًا من هذه المنظومة السياسية وقواها التي افتعلت الكثير من المصائب والابتلاءات بحقّ مواطنيها، من دون الوصول إلى مبدأ “العدالة” في أي ملف يُذكر، وبات تهميش القضايا وتناسي الملفات من أبرز خطواتها للاستمرار في طغيانها.

تحلّ هذا العام الذكرى السنوية الثامنة لتفجيريّ مسجديّ التقوى والسلام اللذين أدّيا إلى وقوع 55 شهيداً وأكثر من 900 جريح، وطرابلس ما زالت ترتدي رداء الحزن والخوف من كلّ شيء، فلا المؤمنون في بيوت الله سلموا من أيدي الإجرام، ولا طرابلس تعيش حالة من الاستقرار حتّى هذه اللحظة، وهي تشهد مؤخرًا ظروفًا قاسية للغاية وفي وضع أمنيّ غير مطمئن على الإطلاق مع انتشار المسلّحين وتكسير الكثير من مراكزها الفاعلة، ما يُدخل المدينة في سيناريو مقلق للغاية، فضلًا عن تأثرها بشكلٍ كبير بتفجير عكّار الذي ما زال يحصد المزيد من أرواح الضحايا الذين أحرقهم الإهمال والفساد.

تمرّ هذه الذكرى على أهالي الضحايا بحزنٍ شديد، وهم الذين كانوا ينتظرون أي خطوة رسمية تُزيح عن قلوبهم الهم والحزن، وغالبًا ما يتساءلون عن مصير التحقيقات وعن ضرورة توقيف المتهمين والمنفذين، والأهم المخططين لهذين التفجيرين المريعين وهم مجموعة مرتبطة بالنظام السوري بين مخطط سوري ومنفذ لبناني. وعلى الرّغم من معرفة المجرمين والمرتكبين المعروفين بحقدهم وكرههم لطرابلس التي اتخذت منذ الحرب الأهلية موقفها الذي لم تُغيره الظروف ولم تُبدّله الأحوال، وفي لحظة خطط لها جيّدًا تمّ تنفيذ التفجيرين بشكلٍ وبتوقيتٍ غير متوقّعين لتقع الفيحاء من جديد ضحية لم تكن سهلة في يوم من الأيّام على مرتكبي الجريمة.

في ذكرى التفجيرين اللذين هزّا عاصمة الشمال في 23 آب 2013، يستذكر الطرابلسيون اللحظات الأليمة والمرعبة، كالأصوات التي صدرت بالتزامن مع التفجيرين المهولين اللذين تمكّنا وبلحظات معدودات من تغيير وجه المدينة المثقلة بالهموم والتعب إلى مدينة منكوبة لم تمدّ الدّولة يدّ العون إليها منذ زمن طويل، إضافة إلى اللون الأسود والأشلاء المحترقة التي طارت مع قوّة العصف الكبيرة، فضلًا عن الزجاج والسيارات التي تطايرت لتتحوّل المدينة إلى مدينة رعب لا نسمع فيها إلّا صراخ الأهالي وأصوات المنقذين من جمعيات ومسعفين ومواطنين…

يُمكن القول إن هذين التفجيرين تمكّنا من حفر جرح عميق لدى الطرابلسيين لم ينسوه أبدًا ولم يتجاوز أي من أبنائها تداعياتهما. وكلّما مر الأهالي إلى جانب موقعيّ الجريمة استشعروا بالرعب الذي فوجئوا به وأفقدهم الكثير من الأحباب، والأصدقاء والمعارف…

تسويات سياسية

يرى الباحث شادي نشابة أن العدالة غائبة عن لبنان، بل غالبًا ما يقوم القائمون على تسيير البلاد والعباد بقتل هذه العدالة. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “بعد الانهيار الاقتصادي والظروف السيئة باتت هذه القضية بالنسبة إلى القوى الرسمية غير موجودة، مثلها مثل أي ملف آخر، الأمر الذي يُشعر الناس بالتهميش والظلم”.

ويُضيف: “في المرحلة الأولى من التحقيقات، كان هناك ضغط كبير فصدرت اتهامات مختلفة لا أكثر ولا أقل، أمّا بعد تطبيق الخطة الأمنية في طرابلس عقدت تسوية سياسية في سوريا لإقفال هذا الملف عام 2014 مع ملف جولات القتال العنيفة التي واجهتها المدينة، ما ألغى حقوق ذوي الضحايا…”.

ويُؤكّد نشابة وجود اختلاف بين تفجيريّ طرابلس وتفجير عكّار، لأنّ طرابلس واجهت جريمة مع سبق الإصرار والترصد مع حقد كبير من النظام السوري على الطرابلسيين الذين غالبًا ما يدفعون ثمن موقفهم السياسيّ منه، أمّا عكار فقد وقع التفجير نتيجة التهميش السياسيّ لهذه المحافظة.

الرافعي: لن نستسلم

يعتبر إمام مسجد التقوى الشيخ سالم الرافعي الذي كان يخطب بالناس يوم الانفجار، أن الدولة اللبنانية لم تتمكّن من توقيف المجرمين أو من خطّط للقيام بهذا التفجير أي النظام، لافتًا إلى أن التحقيقات وصلت إلى طريق مسدود كتحقيقات تفجير مرفأ بيروت.

ويقول: “لن نستسلم أبدًا ولكن للأسف تسكت القوى الرسمية عن هذه الجريمة الشنعاء وتتواطأ بشكلٍ أو بآخر مع هذا النظام، إذ لا يُمكنها حتّى اللحظة استدعاء المتهمين أو الحكم على المتهمين أي أن أسس العدالة لم نصل إليها بعد، وبتنا نطالب بالمحروقات وغيرها ولا نطالب بقضايانا الرئيسية والمهمّة كتحقيق المساواة في دولة قادرة علينا فقط وتستقوي على فئات دون فئات أخرى…”.

شارك المقال