إجتماعٌ أمنيّ شمالًا… حبر على ورق؟!

إسراء ديب
إسراء ديب

يُجمع المتابعون لشؤون مدينة طرابلس وأهلها على أن الوضع الأمنيّ في المدينة بات خطيرًا للغاية، إذ يخشى الكثير من المهتمّين على أهالي المدينة من الفوضى أو الانجرار نحو الفتنة التي تفتح الباب أمام الكثير من التعدّيات التي أصبحت ملحوظة ومتكرّرة أمام الجميع. وفي الوقت عينه، يُواجه أهالي الفيحاء مرحلة أمنية صعبة لم يسبق لهم أن شهدوها من قبل، وهي ظاهرة من الفلتان الأمنيّ تُشعرهم بالخوف والذعر من السير في الشوارع ليلًا وغيرها من التفاصيل التي بات يعرفها القاصي والداني.

ولمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة أمنيًا، رأس محافظ لبنان الشمالي القاضي رمزي نهرا، في مكتبه في سرايا طرابلس، اجتماعًا لمجلس الأمن الفرعي في الشمال لدرس المستجدّات الأخيرة، واتُخذت سلسلة قرارات للحدّ من تطوّر التعدّيات التي تشهدها طرابلس مؤخرًا، ولا سيما بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية وعدم وضع حدود أمنية لهذه المجموعات التي يراها الطرابلسيون أنّها لا تمت لهم بصلة، وهي خارجة عن القانون الذي ما زالت طرابلس تتمسّك به وبأولوياته، مهما حاول البعض تشويه هذه الصورة التي عمل أهالي المدينة على تكريسها بعد سنوات من الغبن والظلم.

وتُشدّد هذه القرارات على ضرورة منع سير الدراجات النارية بتاتًا في المدينة ومحيطها، بدءاً من الساعة العاشرة مساءً ولغاية الساعة السادسة صباحًا، مع الطلب من البلديات (كلّ في نطاقه) التشدّد بتطبيق هذا القرار، إضافة إلى ضرورة إقامة حواجز ثابتة ومتنقلة في طرابلس وكلّ المناطق، مع تسيير دوريات راجلة خلال فترتي الليل والنهار بالتنسيق بين عمليات الجيش وقوى الأمن الداخلي، فضلًا عن أهمّية إلزام أصحاب محطات الوقود زيادة دوام العمل للعمال، وذلك بهدف التخفيف من زحمة السيارات أمام هذه المحطات والطرقات العامّة…

الأزمة لم تنته بعد

بعد إصدار هذه القرارات، يُؤكّد الكثير من أهالي المدينة أنّها لم تُنفذ حتّى هذه اللحظة، ولا يبدو أنّها ستدخل حيّز التنفيذ خاصّة في الوقت الحالي. وإذ يعتبر البعض أنّه من المبكر جدًا الحديث عن نتائج هذه القرارات وآلية تنفيذها، إلا أن هذا الاجتماع كان طارئًا وعاجلًا في أزمة خطيرة تشهدها طرابلس وتُخيف أهلها وكلّ الفاعلين في شؤونها، وبالتالي أن أي قرار يصدر في هذه الظروف الصعبة لا بدّ من التعرّف مباشرة إلى كيفية تنفيذه والبدء فعليًا بتطبيقه ولو جزئيًا، كيّ يتمكّن المواطنون من الوثوق بالدّولة وعناصرها، ولا سيما مع تكرار هذه الاجتماعات التي تحثّ على أهمّية فرض الأمن، لكن التنفيذ بقي مجرّد حبر على ورق.

مصدر مقرّب من أحد المشاركين في الاجتماع، يُشدّد لـ”لبنان الكبير” على أن هذا الاجتماع مثل أي اجتماع آخر، لا نتيجة فعلية تنفيذية ميدانية وواضحة أمام الجميع. ويقول: “الأزمة التي نواجهها لم تنته بعد، ومن يعتقد أنّها انتهت فهو واهم، فحالة الرعب ما تزال موجودة حتّى اللحظة، وهي مستمرّة بانتظار نتائج فعلية وهي لن تكون إلّا بمؤازرة أمنية فاعلة كالجيش وشعبة المعلومات لتزيد من العتاد العسكري والمالي لخطة أمنية جديدة، وذلك لأنّ الخطة الأمنية السابقة التي أبرمت بعد اشتباكات جبل محسن وباب التبانة انتهى مفعولها بعد انتهاء هذه الاشتباكات، ولا بدّ أن تستمر هذه الخطة بإحكام 6 أشهر على الأقل لنتمكّن من بسط الأمن…”.

ويوضح المصدر أن التحكم بالأمن في المدينة يعود إلى المعنيين بالأمن الذين لا يعملون إلّا بغطاء من رئاسة الحكومة الغائبة حاليًا بسبب عدم تشكيلها، وكأنّ البعض لا يُريد فرض الأمن على طرابلس وهي في ظروف اقتصادية قاهرة، ويقول: “القاضي نهرا قام بواجباته وهو مع كلّ خطوة تسعى لفرض الأمن، لكن يجب تشكيل الحكومة سريعًا وحين يُشكّلها الرئيس نجيب ميقاتي سيهتم بالتأكيد بهذا المجال، خاصّة أن الوضع الأمني لن يكون سليمًا إلّا بتحسين الوضع الاقتصادي الذي لن يحصل إلّا بتشكيل الحكومة”.

بلدية طرابلس: لم نتسلّم القرارات رسميًا

يُمكن القول غن اجتماعًا أمنيًا مهمًّا يخصّ المدينة، لا بدّ للبلدية المشاركة فيه، لأنّها مسؤولة بشكلٍ كبير عن كيفية فرض الأمن والتنظيم في المدينة. من هنا، يُؤكّد قائد شرطة بلدية طرابلس ربيع حافظ أنّه لم يتسّلم القرارات المتفق عليها في الاجتماع، إلّا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أي كما تسلّمها الإعلام، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “رسميًا نحن كشرطة بلدية لم يصلنا أي قرار رسمي والذي يتسلّمه قانونًا هو رئيس البلدية، ليقوم بدوره بإصدار أوامر إلينا بتنفيذها، حتّى إن آلية التنفيذ التي يجب أن تكون مرفقة مع هذه القرارات غير موجودة معها، وهي إن وجدت فلا بدّ من التنسيق بين الجيش والقوى الأمنية والشرطة أيضًا التي تُشارك في فرض الأمن”.

وفي اتصال برئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق، يُؤكّد أن البلدية لم تُشارك بهذا الاجتماع لأنّها لم تُدعَ إليه. ويقول: “يهمّنا الأمن في مدينتنا ويجب معاقبة كلّ من يخلّ بالأمن عبر ردعه، فكيف يُحرق مبنى البلدية والمحكمة الشرعية وبرصد الكاميرات ولم يُحاكم أحد؟ ليس صحيحاً على الإطلاق أن يُصوّر البعض مدينة طرابلس على أنّها مدينة أشباح”. ويُضيف:” كلّ ما في الأمر، أن بعض المجموعات التي تنتمي لعصابات منظمة تقوم بممارسات تعتدي فيها على الآخرين، لكن من السهل ضبطها”.

وعن الاجتماع الأمني، يقول لـ”لبنان الكبير”: “كان من المفروض أن تأتي القرارات مع كيفية التنفيذ، ونحن لسنا أداة تابعة للتنفيذ بل لا بدّ من التنسيق معنا في كلّ الخطوات كيّ نتحمّل المسؤولية، فنحن نتعاون مع القوى الأمنية مثلًا في تنظيم بعض محطّات المحروقات في المدينة، ممّا يعني أن القرارات التي تحفظ أمننا هي إيجابية ونحن معها، ولكن يجب ألّا ينسى أحد أنّه لا بدّ من التنسيق معنا ونحن مستعدّون للتعامل مع القوى التي تُساهم في فرض الأمن، لأنّ ما يحصل في بعض الأحياء الطرابلسية يُنذر بضرورة التحرّك، ففقراء طرابلس لا يقومون بالتعدّي على أحد أبدًا…”.

وعن الأمن الذاتي ورغبة بعض الطرابلسيين بتنفيذه في بعض المناطق، يُشدّد يمق على “رفضه لهذا المطلب الذي حاولت الكثير من اللجان الشعبية كما أهالي المدينة تسييره في بعض الأحياء، لأنّ فكرة الأمن الذاتي تبقى مخيفة وقد يستغلها البعض لصالح الفوضى التي يرغبونها، ونحن في طرابلس ما زلنا نؤمن بالدولة وبقواها الرسمية”.

شارك المقال