fbpx

البيت الأبيض… نتنياهو في الغرفة المجاورة!

أنطوني جعجع
تابعنا على الواتساب

هذا الرد الايراني المتأخر على مقتل اسماعيل هنية، وهذا الرد الباهت من “حزب الله” على مقتل فؤاد شكر، لم يأتيا من قرار عبثي، بل من قرار جدي ومدروس يحمل في طياته أكثر من رسالة وأكثر من هاجس وفق مراقبين يتتبعون سير المعركة الدائرة في غزة منذ أحد عشر شهراً.

ففي قراءات هؤلاء المراقبين أن ايران تماطل في الرد لسببين أساسيين: الأول دفع الولايات المتحدة الى التفاوض على الملف النووي وضغط العقوبات، في مقابل الامتناع عما يمكن أن يفجر حرباً واسعة في المنطقة، والثاني إبقاء اسرائيل في حال تأهب وفرملة الحسم العسكري ضد حركة “حماس” التي لا تزال تحتفظ بورقة الرهائن، أي الورقة الأكثر فاعلية في قبضتها بعد إخفاق ورقتي القتال والسلاح.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن “حزب الله” من جهته، يبدو وكأنه أدى قسطه في عملية الثأر وانتقل بعدها الى ما يشبه الحرب التي تتخذ شكل إثبات الوجود لا إثبات النفوذ أو على الأقل إبقاء التوتر مشتعلاً على نار خفيفة بعيداً من الحرائق، في انتظار ما تسفر عنه الحركتان العسكرية والسياسية في المنطقة.

والواقع أن العملية العسكرية التي تنفذها اسرائيل في الضفة الغربية، هي التي تقف وراء التردد الايراني من جهة وانحسار التصعيد في جنوب لبنان من جهة أخرى، في وقت يعتبر محور الممانعة أن هذه المرحلة هي مرحلة ترقب وحسابات لا مرحلة تهور ومغامرات.

وما يقلق الفريقان اللبناني والايراني، هو مخاوف من وجود قرار اسرائيلي جدي يهدف الى تطهير حدودها مع غزة والضفة ولبنان وسوريا من أي انتشار عسكري ايراني أو أصولي، حتى لو أدى الأمر الى حرب شاملة وعلى أكثر من جبهة، وحتى لو أدى الى ضرب العلاقات القائمة بين تل أبيب وكل من عمان والقاهرة وصولاً الى واشنطن العالقة بين خيارين اما خسارة إسرائيل واما خسارة الرئاسة.

فما يجري في الدولة العبرية، وتحديداً في أروقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفريقه اليميني، هو جولة جنون تضرب في كل الاتجاهات وبكل أنواع الأسلحة، يساعده في ذلك أن الجهة التي يحاربها، أي الجهة الايرانية، لا تجد لها حلفاء أو وسطاء محايدين لا بين العرب ولا بين الأجانب الذين باتوا مقتنعين بأن لا سلام على مستوى المنطقة أولاً، وعلى المستوى الفلسطيني – الاسرائيلي ثانياً ما دامت السياسة الايرانية قائمة على التوسع والحروب، وما دامت واقعة كربلاء هي الأساس في تحريك الشيعة أينما كان وتجنيدهم في حلم إحياء الامبراطورية الفارسية أو الامبراطورية الحسينية كما لمح اليها الامام خامنئي قبل أيام.

وليس من قبيل المصادفة أن تصدر تصريحات من المجتمع العسكري الاسرائيلي تؤكد أن الحرب لن تنتهي قبل التخلص من “حماس” في فلسطين و”حزب الله” في لبنان، وقبل التأكد من أن ايران لن تنتج قنبلة نووية، مشيرة الى أن ما يجمعها مع الآلة العسكرية الأميركية المنتشرة في المنطقة هو هذا الهدف تحديداً وليس أي انسجام شخصي أو سياسي بين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن.

وليس صحيحاً، يقول أحد المراقبين، أن نتنياهو يحاول كسب الوقت والوصول الى الانتخابات الرئاسية الأميركية وهو في حالة حرب، بل الصحيح أن الرجل يعرف أن أي مرشح أميركي يدخل البيت الأبيض سواء كامالا هاريس أو دونالد ترامب، لا يمكن أن يكون الا حارساً لاسرائيل سواء طوعاً أو قسراً.

ويضيف: ان ما يرغم الرؤساء الأميركيين على الارتباط بالدولة العبرية، هو حجم الطموحات التوسعية من جهة، وحجم الأخطار التي تمثلها ايران من جهة ثانية لا سيما بعدما تدخلت تسلحياً لمصلحة روسيا في حربها مع أوكرانيا، اضافة الى حجم الضغط الذي يمارسه جيران ايران على واشنطن للاضطلاع بدور الشرطي سواء ترجم الأمر لمصلحة اسرائيل أو لمصلحة العالم العربي والاسلامي المعتدل.

وانطلاقاً من هذا المشهد، يمكن تفهم قرار التريث الايراني الذي طال الى حد التشكيك في إمكان حدوثه، وقرار التراخي الذي يتبعه “حزب الله” في جنوب لبنان، وهما قراران يرتبطان حكماً بما يجري في الجوار وليس بأي قرار آخر، اذ تعرف طهران والضاحية الجنوبية أن معركة غزة انتهت وما يجري فيها ليس سوى مرحلة احتضار، وأن الخطر الحقيقي لا بد يأتي بعد انكشاح الغبار عن معركة الضفة.

وتقر أوساط قريبة من محور الممانعة بأن “حزب الله” بات مقتنعاً بأن الجبهة التي فتحها في جنوب لبنان بعد يوم على “طوفان الأقصى”، نزع عنه صفة “المقاومة” المحلية وألبسه صفة الميليشيا الخارجة على أي ضوابط والطاعنة في مشروع عسكري ايراني لا يوفر جبهة أو كياناً أو مجموعة أو حتى دولة، لا سيما بعد انقضاض الاستخبارات الدولية على الكثير من خلاياه ورجاله ومؤسساته.

ويذهب مصدر ممانع بعيداً الى حد القول: لا نعرف، وسط ما يجري في فلسطين، دور من جاء، هل هو دور اسرائيل التي يهدد “حزب الله” بازالتها أم دور “حزب الله” الذي تحوّل الى هدف لا بد من ضربه كشرط لتعزيز فرص السلام على الحدود الاسرائيلية في الشمال والجنوب اضافة الى العمق؟

في اختصار، يقول ديبلوماسي غربي: اذا أردتم أن تعرفوا ما هي الخطوة التالية، فعليكم انتظار ما تسفر عنه معركة الضفة، فهي التي تقرر أين يمكن أن تتوقف اسرائيل والى أين يمكن أن تصل، وهي التي تقرر هل يكمل “حزب الله” خيار القتال حتى النهاية، أم يتراجع الى شمال الليطاني والى الداخل في محاولة للانقضاض على السلطة السياسية بديلاً من السلطة العسكرية؟ مشيراً الى أن من الخطأ الرهان على ميول الرئيس الأميركي المقبل، لأن من يسكن البيت الأبيض لا بد من أن يأخذ معه رئيس وزراء إسرائيل سواء كان نتنياهو أو سواه للاقامة في الغرفة المجاورة.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال