بري في ذكرى الصدر: رسائل باتجاه العهد والقوات وبيطار

محمد شمس الدين

يختلف اللبنانيون حول كل القضايا، وحول كل الأشخاص، ولكن هناك استثناء نادراً، هو الإمام المغيب السيد موسى الصدر، الرجل الذي يستطيع كل الناس أخذ العبر منه، إن كان في الدين فهو عالم، أو بالسياسة فهو حكيم، حتى بالاقتصاد والاجتماع كان له رؤية متقدمة، إمام التعايش والوحدة لم يغب يوماً عن بال اللبنانيين حتى لو غاب المهرجان السنوي للظروف القاهرة بسبب تفشي وباء كورونا، حيث يرددون أقواله على مدار السنة وعند كل المنعطفات التي يتعرض لها البلد.

بري: رفع الحصانات بدءاً من رأس الهرم

كما كل سنة انتظر لبنان الكلمة السنوية لرئيس حركة أمل الرئيس نبيه بري، الذي افتتح خطابه بالقضية الأولى، قضية تغييب الإمام الصدر، مؤكداً أن الحركة وعائلة الإمام لن يذعنوا للتهويل والضغط الإعلامي والكلامي والشائعات التي تطلق غب الطلب. ثم انتقل بري إلى قضية انفجار المرفأ، وطالب المحقق العدلي بتطبيق الدستور والقوانين، والاستماع لصوت العدالة لا من يهمس له، مستشهداً بقول الرئيس بشارة الخوري: “الويل كل الويل لقاضي الأرض من قاضي السماء”، مؤكداً أن موقف حركة أمل بملف انفجار المرفأ هو لا حصانة على أي أحد من رأس الهرم إلى أسفله، مشيراً إلى أن هذا الانفجار هدم الهيكل السياسي في لبنان، وأنَّ المجلس النيابي أقرالتشريعات التي تحفظ للشهداء وذويهم حقوقهم أسوة بشهداء الجيش وغيرها من القوانين المتصلة بإعادة إعمار الأحياء المتضررة، مدافعاً عن المجلس بأنه ليس مجلس النيترات. من جهة أخرى هاجم الرئيس بري المستثمرين بالقضايا النبيلة والمحقة لأهداف سياسية وانتخابية وربما لتنفيذ الأجندات المشبوهة لتحريف الحقائق وتجهيل الفاعل. مؤكداً أن المسار نحو معرفة الحقيقة بالانفجار هو معرفة من أدخل السفينة، ومن مالك شحنة النيترات، ولأي غاية كانت سوف تستخدم، ومن سمح ببقائها في مرفأ بيروت طيلة هذه المدة، ومن المقصر، وكيفية حصول الانفجار وأسبابه.

بري: ليس مفهوماً إظهار الوطن عاجزاً من أجل الثلث المعطل

اعتبر الرئيس بري أنّه أمر متوقع أن تلجأ “إسرائيل” ومن يدعمها إلى إبقاء لبنان ضمن دائرة التصويب والاستهداف، ولكن ما ليس مفهوماً على الإطلاق، أن وطناً لديه كل المقومات ينبري البعض إلى تقديم لبنان واللبنانيين بصورة العاجز والعاجزين عن إنجاز أبسط الاستحقاقات وهو انجاز الحكومة بالثلث المعطل، متسائلاً: “أهذه سياسة أم فيها مساسة”، مشيراً إلى أن هناك محاولة موصوفة لاختطاف لبنان وإسقاطه من الداخل. من جهة أخرى هاجم الرئيس بري عودة البعض إلى العزف على وتر الفدرلة وسواها من طروحات، معتبرها محاولة لتشظية لبنان على محاور الانقسام الطائفي والمذهبي، وتساءل بري عن المصلحة من التهديد والتلويح بين الفينة والأخرى بالاستقالات من مجلس النواب، وتعطيل آخر مؤسسة منتجة وعاملة في لبنان على المستوى التشريعي، وهي كانت قد أنجزت ٨٠ قانوناً إصلاحياً لو أقر نصفها لما كان البلد وصل إلى ما إليه اليوم. واستهجن بري تقديم سلطة ما يسمى منظمات المجتمع المدني على أنها البديلة لمنطق الدولة والمؤسسات، وهي معروف من وراءها، ومن يدربها، ومن يمولها.

بري: جهنم ليست بحاجة لمأموري أحراج

وحذّر بري من الاستمرار في السلوك السياسي اللامسؤول فهو يمثل أرضية خصبة لإعادة استيلاد الفوضى وايقاظ الشياطين النائمة التي تتحين الفرصة للانقضاض على الاستقرار والعبث بالوحدة والسلم الأهلي، إن الخوف والقلق هذه المرة ليس من الخارج بل من الداخل. متسائلاً عن هذه السياسة التي أنهت نفسها بنفسها وأنهت السلطة التنفيذية والقضائية، ولم تجرِ الانتخابات الفرعية لمجلس النواب، لكنها لم تنسَ إيقاف تعيين مأموري الأحراج، “يمكن لأن جهنم ليست بحاجة لمأموري أحراج”.

ودعا بري إلى تنحية كل الخلافات والإسراع بتشكيل حكومة خلال هذا الأسبوع وليس أكثر، بدون أثلاث معطلة، ويكون جدول أولوياتها تحرير اللبنانيين من طوابير الذل وأسر المحتكرين، وبالتوازي تفعيل عمل القضاة والأجهزة الأمنية والرقابية، لمكافحة الفساد وتجار الأسواق السوداء، كما التحضير لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، ولإنجاز قانون الانتخاب، مشيراً إلى أن كل من يريد فعلاً التخلص مما يسمى “المنظومة” عليه امتلاك شجاعة القبول بقانون انتخاب على أساس لبنان دوائر انتخابية كبرى وفقا للنظام النسبي، وإنشاء مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف بعدالة.

لم يستثنِ الرئيس بري أحداً من خطابه، بدءاً برئيس الجمهورية وتياره وتعطيلهم الحكومة والمشاريع والقوانين، إلى الشعبويين الذين يستثمرون بالقضايا، إلى بعض منظمات المجتمع المدني المشبوهة، وحتى رد على من أسماهم المغرضين الذين يحاولون اللعب على خلاف بين أمل وحزب الله، وأكد اعتدال الحركة بكل الخلافات السياسية المحلية والإقليمية ما عدا ضد العدو الإسرائيلي.

شارك المقال