طالبان تنتصر في الحرب الأهلية… فهل تفوز بالسلام؟

حسناء بو حرفوش

ماذا بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان؟ هل تستطيع الحركة التي وصمت في الماضي بالإرهاب أن تثبت أنها أهل لإحلال السلام؟ كيف ستدير الحركة البلاد؟ وكيف ستتخطى الأزمة الاقتصادية؟ مجموعة من الأسئلة التي يحاول المحلل المتخصص في شؤون الخارجية والدفاع دانيال ديبتريس، الإجابة عنها في مقال بموقع “نيوزويك” (newsweek) الأميركي.

“لا مجال للجدال حول الواقع الجديد في أفغانستان في ظل هيمنة طالبان على الأرض، بحسب مقال ديبتريس. ومع سيطرة الحركة بالكامل على كابول، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة، فرضت طالبان بحكم الأمر الواقع سلطتها على الحكومة الأفغانية. ومع مغادرة آخر طائرة أميركية في نهاية آب، لم يعد مقاتلوها يواجهون أي تحد تقريبًا باستثناء جبهة مقاومة صغيرة في وادي بانجشير.

أضاء الرصاص ليل الاثنين الماضي سماء كابول ابتهاجاً بنهاية وجود أميركي دام عشرين عامًا في البلاد. وأصبحت المنطقة الخضراء التي كان من الصعب اختراقها الآن مقاطعة لطالبان، حيث أقام القادة السياسيون معسكرًا للحركة في المكاتب القديمة للرئيس الأفغاني السابق أشرف غني. وأتى تعليق أحد كبار المسؤولين في طالبان، ليؤكد أن “أفغانستان تحررت أخيرًا بعد إجلاء آخر عنصر من قوات الولايات المتحدة”، مشدداً على أن “انتشار السلام والأمان”.

مهمة صعبة ومعقدة

مع ذلك، قد تكتشف طالبان في الأسابيع والأشهر المقبلة أن محاولة إدارة دولة فقيرة غير ساحلية مقسمة على أسس قبلية وعرقية وسياسية هي، من نواح كثيرة، أصعب من الإطاحة بحكومة فاسدة تعتمد على الخارج في كابول. وفي حين أن الحركة تمتلك بعض الخبرة في تشغيل وزارات الظل في المقاطعات وجمع الضرائب من الأشخاص الذين تحكمهم وتحقيق العدالة وفقاً لما تراه مناسباً، تختلف كلياً إدارة دولة بأكملها يبلغ عدد سكانها نحو 40 مليون نسمة.

ويعاني الاقتصاد في أفغانستان، والذي لم يزدهر في الأصل أيام السلم، أزمة عميقة. فعلى مدار العشرين سنة الماضية، توقفت الإنتاجية الاقتصادية للدولة بشكل كامل تقريبًا على هبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والجهات المانحة الثرية الأخرى والتي تكفلت بدفع كل شيء تقريباً، من رواتب ضباط الشرطة إلى مشاريع البنية التحتية الكبيرة. ويتولى المجتمع الدولي نحو 80% من النفقات العامة لأفغانستان. ولكن مع وجود طالبان في السلطة حاليا، توقفت كل هذه المساهمات النقدية.

علاوة على ذلك، لا تبدي إدارة بايدن أي نية للتسرع في الاعتراف بطالبان كحكومة شرعية، مما يعني تجميد الموارد الاقتصادية والمنح والمزايا التي يتوقعها السياسيون والبيروقراطيون الأفغان على أساس سنوي. ويتعين عادة على الحكومة الاستفادة عند الوقوع في مثل هذا المأزق، من احتياطياتها الأجنبية لتحقيق الاستقرار في العملة وتعويض النقص. لسوء الحظ بالنسبة إلى طالبان، لا يمكن الحركة الوصول إلى هذه الاحتياطيات، بحيث إن نحو 9 مليارات دولار منها موجودة في البنوك الخارجية، بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.

وينطبق الأمر نفسه على الاتحاد الأوروبي الذي كان من المقرر أن ينفق ما يقرب من 1.1 مليار دولار على المشاريع المتعلقة بأفغانستان على مدى السنوات السبع المقبلة قبل سقوط كابول في أيدي طالبان. وتواجه طالبان خطر إعادة تخصيص هذه الأموال. وقد نقل عن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي أنه لن تصرف الأموال إلا إذا استوفت طالبان المعايير الصارمة لحقوق الإنسان.

منظمات الإقراض العالمية بدورها لن تخالف هذا السيناريو، وقد جمّد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالفعل مئات الملايين من الدولارات التي كانت مخصصة في السابق لأفغانستان. ولأن الدول الأعضاء لا تعترف بطالبان كسلطة الحكم الرسمية في البلاد، يمكن اعتبار أن الأموال ذهبت أدراج الرياح، وليس بإمكان حكام كابول الجدد الوصول إليها. هذا وستبقى المؤسسات المالية حذرة قبل المشاركة في السوق الأفغانية انطلاقا من الشعور بالقلق إزاء انتهاك العقوبات الأميركية ضد حركة طالبان. وفي غضون ذلك، يقضي الأفغان العاديون ساعات طوالاً في الطوابير في محاولة للوصول إلى ماكينة الصراف الآلي والتمكن من سحب الأموال، والتي تقتصر الآن على 200 دولار لكل عميل على الصعيد الوطني. ومع الأسف، يعود كثر إلى ديارهم دون التمكن من ذلك مع نفاد الأموال في أجهزة الصراف الآلي. دون أن ننسى الأفغان الذين يعملون في القطاع العام الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور. 

في مهبّ العاصفة

قد تتمكن حركة طالبان من الصمود في وجه العاصفة لفترة قصيرة، لا سيما أنها بدأت بتحريك التجارة مع الدول المجاورة، وهذا إيجابي في حال نجحت بإقناع دول مثل روسيا والصين بأنهم لم تعد هي نفسها الحركة المتوحشة والمقيدة التي أدارت أفغانستان منذ منتصف الثمانينات إلى أواخر التسعينيات. ولكن في مرحلة ما، قد تعجز الحركة عن تحمل هذين الضغط والعبء خصوصاً أن الأفغان يتوقعون من قادتهم بعد عقدين من النمو الاقتصادي (المعتمد على النقد الأجنبي) أكثر من مجرد الاكتفاء بالمصاريف الأساسية. وتدرك حركة طالبان ذلك، ولهذا السبب، أمضت الأسابيع الماضية وهي تناشد موظفي الخدمة المدنية للعودة إلى مكاتبهم، كما دعت الأفغان المتعلمين للبقاء في أفغانستان وعدم الفرار إلى الغرب.

لقد أمضى مقاتلو طالبان عشرين عامًا وهم يسعون للعودة إلى السلطة، والآن وقد حققوا هدفهم هذا، لا بد من التمييز بين التمرد وإدارة حكومة شبه مؤهلة. لقد انتصرت حركة طالبان في الحرب لكنها في المراحل الأولى من محاولة كسب السلام. وسيتطلب هذا الأمر درجة معينة من التعاون البناء مع العالم، وتحديدا مع الولايات المتحدة، الخصم ذاته الذي قاتلته منذ زمن. وفي حال أرادت طالبان الوصول إلى القنوات النقدية والمصرفية اللازمة لإدارة بلد ما في القرن الحادي والعشرين، قد لا تجد قيادتها خياراً سوى البحث عن طريقة لتثبت قيمتها أمام واشنطن، وتحديدا في قضايا مثل مكافحة الإرهاب”.

شارك المقال