هل يجر باسيل جعجع لإسقاط مجلس النواب؟

رواند بو ضرغم

ما أشبه اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تأليف الحكومة بالأمس بالواقع الذي يعيشه اليوم الرئيس المكلف نجيب ميقاتي. يصارع “بي الكل” من أجل ثلثه المعطل ومستقبل تياره “الوطني الحر”، ولا يأبه بشعب يجوع ويموت ويُذل ويُقهر، أما الحكومة فمكانها تراوح ولا جديد قد يوحي بولادتها.

طرح حكومة الأقطاب المؤلفة من 14 وزيرا، تؤكد المصادر المطلعة على أجواء بعبدا و”البلاتينوم” لموقع “لبنان الكبير” أنه طرح غير وارد ويستحيل تنفيذه، لأنه ينسف كل الجهود التي قدمها الرئيس ميقاتي على خط التفاوض مع رئيس الجمهورية ميشال عون، والمتاح فقط هو الاستمرار في مساعي تدوير الزوايا واستكمال بلورة الحكومة بالتركيبة نفسها أي حكومة الـ24 وزيرا من الاختصاصيين غير الحزبيين، مع امكانية تعديل بعض التوزيعات الطائفية والأسماء.

أما جديد التأليف فمتمثل بعودة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الى رحلاته التفاوضية المكوكية بين عون وميقاتي بدءاً من الاثنين، وذلك بطلب من الرئيس المكلف، للعمل على حلحلة عقدتين:

العقدة الأولى: السعي لكي يحصل ميقاتي على ممثل له في وفد التفاوض مع صندوق النقد الدولي، من خلال حصوله على وزارة الاقتصاد أو الشؤون الاجتماعية، في حين أن رئيس الجمهورية لا يقبل التنازل عن الاقتصاد ولا عن الشؤون الاجتماعية، ذلك إن تمسكه بوزارة الاقتصاد تهدف الى فرض رؤيته الاقتصادية بواسطتها، وهو ما كان بدأ به في حكومته الاولى مع الوزير رائد خوري، وفي حكومته الثانية مع الوزير منصور بطيش، وفي الحكومة الثالثة مع راوول نعمة، وهو متمسك بوليد نصار في حكومة ميقاتي لهذه الحقيبة. ونصار لصيق برئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ومقرب جدا منه.

وتمسك عون بوزارة الشؤون الاجتماعية سببه أن المساعدات تمر من باب هذه الوزارة وتسير بواسطتها، والحصول عليها فيه افادة لتياره الحر لتوظيفها لمصلحته في الانتخابات النيابية، بتحويل البطاقة التمويلية الى بطاقة انتخابية وشراء الاصوات والتمويل الانتخابي.

لا عون يقبل التنازل عن وزارتي الاقتصاد والشؤون الاجتماعية، بالاضافة الى الطاقة، ولا ميقاتي يقبل بالتنازل عن إحدى هذه الوزارات وعن مشاركته في التفاوض مع صندوق النقد. وهنا مسعى اللواء ابراهيم على خط بعبدا.

العقدة الثانية: حل إشكالية الثلث المعطل، الذي لا يزال الرئيس عون متمسكا به في التفاوض ومصرّا على الحصول عليه. وإذا لم تُحل هذه العقدة، فهل سيعطي التيار الوطني الحر الثقة لحكومة ميقاتي أو لن يعطيها؟ وفي الوقت الذي يجاهر باسيل بعدم مشاركته في الحكومة وعدم إعطائها الثقة، ليكون له منصة للهجوم على السلطة التنفيذية أثناء الانتخابات النيابية. أما وجهة نظر الرئيس ميقاتي فمرتكزة على عدم أحقية حصول رئيس الجمهورية على ثماني وزراء بالحد الأدنى (6 مسيحيين + درزي + أرمني) في حين أن أحدا من نواب تياره لن يعطي حكومته الثقة في مجلس النواب.

كل ما تقدم يؤكد العودة الى مرحلة ما قبل اعتذار الرئيس الحريري. يومها دخل رئيس مجلس النواب نبيه بري بمبادرته لحلحلة عقدة الثلث المعطل مدعوما من “حزب الله” وأغلب الكتل البرلمانية داخليا، وفرنسيا وايرانيا وروسيا ومصريا وأميركيا وغيرهم خارجيا، الا أن تعنت عون دفع الحريري نحو الاعتذار. هذا التشابه ما بين الحريري أمس وميقاتي اليوم يطرح السؤال: هل نحن في طور اعتذار ميقاتي؟ ما لم يعطيه عون بالأمس لحليفه “حزب الله” وللمجتمع الدولي، لن يعطيه للواء ابراهيم، وخصوصا أنه في خضم مسعى ابراهيم الأول حاول عون الضغط على “حزب الله” لكي يقنع ميقاتي بتسهيل التأليف وفقا لشروط الرئاسة الاولى، الا أن “حزب الله” في غير وارد الدخول بهذه التفاصيل بين رئيس حليف ورئيس “سماه” لتأليف حكومة الانقاذ، ولن يكون الحزب أداة لتحقيق مطلب الثلث الرئاسي المعطل.

في خضم هذه الشروط الرئاسية المصلحية، التي تصب جميعها في خانة تقوية صهر العهد واستفادته في مرحلة التحضير للانتخابات وشراء الأصوات من خلال الخدمات والمساعدات والبطاقات، يطل رئيس الجمهورية منظّرا بأنّ المنظومة الفاسدة التي لا تزال تتحكّم بالبلد والشعب، تخشى المساءلة والمحاسبة. وكأن فخامته لا يحتجز حكومة في أروقة قصره لضمان مستقبل صهره، ولم يعطل أي أمل بإنقاذ ما تبقى من قدرة شعبه طوال سنة كاملة، وكأن صهره لم يكن شريك هذه المنظومة الفاسدة يوما ولم يحصل على وزارات تدرّ عليه الأموال والصفقات والعلاقات والزبائنيات.

ففي بلد منهار، تتحكم الشعبوية في السياسة اللبنانية، فإن هذه الشعبوية ممكن أن تؤدي الى تطيير آخر مؤسسة دستورية عاملة وهي مجلس النواب، حيث لا تستبعد الكتل الحليفة لباسيل وتلك التي على خصومة معه بأن يُقدم تكتل “لبنان القوي” على الاستقالة من مجلس النواب. وترجح هذه المصادر بأن قرار باسيل بالاستقالة قد اتُخذ حين تحدى الرئيس بري كل من يهدد بالاستقالة قائلا: “ما حدا بيهدد مجلس النواب، اللي بده يستقيل يستقيل”. فهل ستُعطي “القوات اللبنانية” ورقة رابحة للتيار بتطيير المجلس النيابي بعد كل الحملات التي يشنها باسيل على القوات بنبش التاريخ الدموي وتغطيتها للصقر النفطي؟! ولكن من وقع في جورة اتفاق معراب السياسي، ويستمر في رفض محاسبة رئيس الجمهورية ورفع الحصانة عنه، يمكن أن يساهم في تقوية باسيل من دون أن يدري!

شارك المقال