عون لا يلغي “الطائف”… بل البلد برمته

هيام طوق
هيام طوق

أكثر من سنة مرت على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، ولا يزال البلد من دون حكومة، والشعب يتأرجح على دفتي التأليف وعدمه، وهو وصل الى النفس الأخير قبل الارتطام الكبير لا بل بات قاب قوسين من الإبادة الجماعية التي خططت لها سلطته المتحكمة بالرقاب والعباد، ونفذت مخططها بنجاح لا مثيل له في التاريخ، فاستحقت عن جدارة لقب “سلطة جهنم في عهد الذلّ”.

منذ كُلّف السفير مصطفى أديب ثم الرئيس سعد الحريري وحالياً الرئيس نجيب ميقاتي، والتأليف الحكومي يصطدم بمصالح العهد وحساباته الشخصية، من الثلث المعطل الى تسمية الوزراء مروراً بالحصول على حقائب معينة، أي بالمختصر المفيد تعددت الاسباب والنتيجة واحدة: لا حكومة من دون التحكّم بقراراتها فالقاصي والداني بات على قناعة ان رئيس البلاد يريد تجويف الطائف من مضمونه باعتبار أن الاتفاق انتزع صلاحيات من يد رئيس الجمهورية وأفقده دوره وحضوره، زاعما انه يسعى لاستعادتها بكافة الطرق والوسائل، استعطافا للشارع المسيحي وتجييشه، الا أن الوزير والنائب السابق إدمون رزق وعدد من الدستوريين يؤكدون ان الطائف لم يحوّل مَوقع الرئاسة الأولى إلى مَوقع رمزي، بل أعطى لها دوراً وطنيًّا جامعًا ويشددون على ان الطائف أعطى صلاحيات كافية لرئيس الجمهورية لكن المهم معرفة استخدامها.

ويبقى السؤال الأساس في ظل كل ما تشهده البلاد خصوصاً على صعيد العقبات في وجه التشكيل، هل يحاول رئيس الجمهورية تجويف الطائف من مضمونه، ويخطط لوضع يده على الحكومة من خلال إصراره على الثلث المعطل الذي يتيح له التحكم بقراراتها تحسباً لتعذر اجراء الانتخابات النيابية في موعدها؟

سؤال أجاب عنه كل من النائب في “كتلة المستقبل” محمد الحجار والوزير والنائب السابق إدمون رزق ومفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو الذين أكدوا لـ”لبنان الكبير” أن الرئيس عون لم يعترف يوماً باتفاق الطائف على الرغم من اعتراف الجميع بأنه مرجعية وطنية قانونية ودستورية.

الجوزو: عون لا يلغي الطائف إنما البلد برمته

رأى مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو أن “رئيس الجمهورية لا يريد الغاء اتفاق الطائف فحسب انما يلغي لبنان برمته ويقضي على الاعتدال فيه. حوّلنا الى شحاذين. انها البهدلة بقمتها. انها جريمة بحق التاريخ والمجتمع والانسان”، معتبراً ان “جبران باسيل مجرم بحق لبنان، وجعل من رئاسة الجمهورية ألعوبة بين يديه، ويعرقل تشكيل الحكومة لأهداف خاصة”.

وسأل: “أي قانون أو اتفاق يطبق حالياً في لبنان كي يطبق اتفاق الطائف؟ هم يهاجمون الدول التي كانت تساندنا”، مشيرا الى ان ” ايران دولة زرعت الفتنة في كل الدول العربية من العراق الى سوريا واليمن وصولاً الى لبنان. ايران لا تريد البناء بل الهدم. مشكلتنا في لبنان الوجود الايراني الذي يمثله حزب الله”. 

الحجار: عون لم يعترف يوماً بالطائف

اعتبر النائب محمد الحجار ان “رئيس الجمهورية وفريقه السياسي لم يعترفوا يوماً باتفاق الطائف، ويعملون بكل جهد لاطاحته، والكل يذكر عندما أقرّ الطائف سنة 1989، حين حاول العماد عون حلّ مجلس النواب تحت شعار انه يحق له بذلك منعا لاقراره دستورا. كل الفترة السابقة، لم يخفِ موقفه الرافض لاتفاق الطائف ان كان بشكل مباشر او غير مباشر. وبعدما أصبح في موقع رئاسة الجمهورية، ومن خلال أدائه وبالممارسة، سعى عون لخلق أعراف جديدة تتجاوز الدستور تحت شعار مزوّر بقوله ان الطائف أطاح صلاحيات رئيس الجمهورية”.

ورأى ان “طريقة تعاطي رئيس الجمهورية في مسار تأليف الحكومة تهدف الى الوصول اما الى فرض أعراف تطيح اتفاق الطائف أو التهيئة الى فراغ وصولاً الى عقد اجتماعي جديد. هذا هو مخطط رئيس الجمهورية عن سابق تصور وتصميم لأن سوء الاستخدام يكون مرة أو مرتين وليس بشكل دائم. واليوم يصر على تأليف الحكومة بالشكل الذي يريد، ويعمد الى تفسير الدستور على هواه. يحوّل الشراكة المنصوص عنها في الدستور الى حق فيتو يستخدمه لتعطيل تأليف الحكومة، مؤكدا ان اتفاق الطائف هدف الى تطوير الدولة والنظام وفتح آفاق التحديث والتغيير على قاعدة التوازن والمشاركة، وتم تعديل الدستور لضبط وتسهيل الامور وليس العرقلة والتعطيل كما يفعل عون وفريقه لتأمين توريث الصهر”.

رزق: جهل وسوء نية في تطبيق الطائف

اعتبر الوزير والنائب السابق إدمون رزق ان “هناك جهلاً وسوء نية في تطبيق اتفاق الطائف، والمثل الفرنسي يقول: الخطأ الجسيم يعادل سوء النية. نحن بحالة متمادية من الاخطاء الجسيمة. رئيس الجمهورية ليس لديه مخطط لنسف الطائف لأن المخطط بحاجة الى فكر انما لديه هاجس السلطة واستمراره فيها، مشدداً على انه يريد صلاحيات شخصية له ولا يهمه صلاحيات موقع رئاسة الجمهورية”.

وعما اذا كان الطائف نسف صلاحيات رئيس الجمهورية، أكد رزق ان “لدى رئيس الجمهورية صلاحيات كافية، لكن المهم معرفة استخدامها. اليوم لدى رئيس الجمهورية صلاحيات أكثر من قبل لأنه سابقا كان لديه حصص أما اليوم فلديه صلاحيات رئيس دولة في نظام ديموقراطي. عليه ان يكون عاقلا ليتصرف بمسؤولية”. وشدد على ان “الطائف مرجعية وطنية قانونية دستورية لأننا وضعنا أحكامه في صلب الدستور لضمان الشراكة المتوازنة والعادلة بين مكونات الوطن التعددية. وضعنا الأسس لكن المؤسف ان هذه الأسس قد اختلّت بسبب عدم التزامها الناتج عن عدم استيعابها وفهمها”.

وتابع: “الطائف نص وروح وليس نصاً جامداً، ويجب ان يكون هناك أشخاص مؤهلون لتطبيق النص الدستوري. النصوص يمكن تشويهها كما يمكن تحسينها بالتنفيذ، لذلك الاهلية أساسية، وعلتنا اليوم فقدان هذه الاهلية الشخصية لدى السلطة. الخلل ليس في النظام انما بتطبيق النظام، والتذرّع بأن هناك خللاً بالنظام يعتبر هروبا وتهربا وعملية جبن. علة لبنان بالاشخاص وليس بالنظام. الحاكم الحقيقي الذي يأتي ليعطي وليس ليأخذ. هناك تكالب على الحصص”.

وتحدث عن رئاسة الجمهورية التي تحولت الى “صفقات وتسويات بدلاً من ان تكون خيارات عقلانية مبنية على قناعات موضوعية. آخر رئيس جمهورية عرفه لبنان هو الرئيس الياس سركيس الذي حافظ على شرف وكرامة ومعنى ومسؤولية الرئاسة ومن بعده لم يعد هناك رؤساء ولم يعد هناك رئاسة، وكل ما يحصل اليوم في التشكيل نتيجة عدم الأهلية وليس نتيجة النصوص الدستورية. لا يتحمل النظام أي وزر انما المسؤولية تقع على من هم في السلطة”.

وأكد رزق ان “لبنان حاليا قيد التصفية بسبب عدم الاهلية والكفاءة لدى أولياء الدولة. البلد ليس محكوماً برجال دولة انما بنوعية انتفاعية من مستغلي مواقع الدولة، وهذا يستدعي اعادة فورية وثورية للمبادرة تحت طائلة انهيار ما تبقى من مقومات الدولة الصورية وتغيير معالمها حتى الغاء نوعيتها”.

شارك المقال