fbpx

بري – جعجع… رئيس لا يريده أحد!

أنطوني جعجع
تابعنا على الواتساب

هل حقاً يريد الأطراف اللبنانيون الفاعلون والمؤثرون انهاء الشغور الرئاسي في قصر بعبدا انطلاقاً من مبادئ وطنية شاملة وليس من حسابات شخصية ضيقة أو خاصة على الأقل؟

الجواب طبعاً لا، حتى لو وجد كل طرف من المبررات والذرائع ما يملأ مئات الأوراق والشاشات والمؤتمرات، وحتى لو فتحوا مجلس النواب في شكل يومي أو حتى لو اجتمعوا طويلاً من دون أن يكسروا النصاب والدستور معاً.

فكل فريق يقدم خيارات ايجابية في الظاهر مفخخة في الباطن، بحيث يتحول أي اسم مطروح للرئاسة في ساعة الحسم الى “مشبوه” لدى طرف، أو “دخيل” لدى طرف آخر، أو ورقة قابلة اما للحرق واما للتلاعب والمناورة لدى طرف من هنا وآخر من هناك.

وليس صحيحاً في المطلق أن تركيبة البرلمان الحالي هي التي تمنع وحدها انتخاب الرئيس العتيد، بل الصحيح أن كل فريق يعتبر نفسه “بيضة القبان” التي ترجح كفة على كفة، وتستحق بالتالي اما رئيساً من اختيارها واما رئيساً من ودائعها أو غنائمها.

وليس صحيحاً أيضاً أن محور الممانعة يريد سليمان فرنجية رئيساً يلتزم “حماية ظهر المقاومة”، بل رئيس يستكمل به مسار السيطرة على السلطة السياسية والدستورية بطريقة ديموقراطية لا انقلابية، تماماً كما حدث في عهد الرئيس ميشال عون، خصوصاً أن الحرب الحالية أثبتت أن لا الرئيس ولا السلاح ولا ايران ولا الضغوط الدولية يستطيعون حماية “حزب الله” من القمة نزولاً الى القاعدة، وليس صحيحاً أيضاً وأيضاً أن المعارضة تريد رئيساً، تعرف مسبقاً، أنه لا يجرؤ أو لا يستطيع أن يحجّم الميليشيات من خلال تطبيق القرارات الدولية سواء بالاقناع أو بالقوة.

ولا يختلف اثنان في الداخل والخارج على أن الفريقين لا يرغبان في ملء الشغور في قصر بعبدا الا وفق أمرين، الأول يريد السعي الى انتخاب رئيس توافقي “مائع” في حال تعذر انتخاب فرنجية، والثاني يريد “تهشيل” الأسماء المطروحة من خلال تحميلها شروطاً لا تقوى على تطبيقها، اضافة الى أن أي أي محاولة قسرية لتطبيقها ستعني اما فرط الجيش اللبناني مرة جديدة واما تفجير حرب أهلية جديدة في البلاد.

وليس من باب المصادفة أن يقتحم المسؤولون الايرانيون دائرة النار في لبنان لتحذير الفريق الممانع من أي محاولة لتغيير قواعد اللعبة السياسية المتفق عليها مع حسن نصر الله حتى لو وصلت الدبابات الاسرائيلية الى تخوم بيروت، ولا أن يدعو سمير جعجع الى مؤتمر في معراب بعدما سرّب الى الرئيس نبيه بري أسماء مرشحين غير قادرين وغير راغبين في التزام شروط يعرفون مسبقاً أنها غير قابلة للتطبيق، ما يعني عملياً أن أياً من هؤلاء لا يملك فرصة الوصول الى قصر بعبدا عبر طريق محشو بالألغام الجاهزة للانفجار في أي لحظة.

وسواء كانت حسابات الايرانيين الخائفين من تبدل موازين القوى لمصلحة الشيطانين الأصغر والأكبر، مبررة ومفهومة، وسواء كانت شروط المعارضة ومواصفاتها متماهية مع مسار الحرب الدائرة في لبنان الآن، فإن أحداً من الطرفين لن يستطيع الذهاب الى مجلس النواب وهو يملك في جعبته الغالبية المطلوبة لانتخاب الرئيس العتيد ولا المرشح الذي لا يختلف عليه أحد.

وما يعزز هذا الانطباع، تطوران، الأول الاتفاق الثلاثي الذي خرج من عين التينة جنيناً لم يكتب له العيش طويلاً نتيجة ضغط عاجل من طهران وبرودة لافتة من المسيحيين، والثاني مؤتمر معراب الذي حاول الممانعون وبعض المعارضين معاً الحد من أي ثقل سياسي وازن يمكن أن يخرج الى العلن بتيار ناخب يلتف حول مرشح واحد.

أما لماذا حدث ذلك؟ فالأمر يعود الى سببين أساسيين، الأول تمثل في الاحتجاج على المضيف ومكان الضيافة انطلاقاً من مآخذ شخصية عند البعض وتنافسية عند البعض الآخر، ومن رفض لتكريس “القوات اللبنانية” مرجعية وحيدة للمسيحيين من جهة أو قائداً للمعارضة من جهة ثانية. والثاني تمثل في امتناع جعجع عن تسمية مرشح واحد يخرج به المؤتمر منافساً وحيداً في مواجهة فرنجية على الجهة المقابلة، ومن هؤلاء على المستوى المسيحي ميشال معوض، وعلى مستوى المعارضة فؤاد مخزومي الذي يتخوف من الصدام مع الشارع الشيعي على غرار الكثير من النواب السنة المنقسمين بين خوف من “حزب الله” في مكان وخوف على غزة في مكان آخر، اضافة الى الحزب “التقدمي الاستراكي” الذي يرفض في المطلق السير خلف جعجع الذي لم يلاقِ المبادرة الثلاثية في منتصف الطريق، والى نواب التغيير الذين يرفضون الدخول في محاور يرفضونها في الأساس أو لا تشبههم في المطلق.

وكشف مصدر قريب من عين التينة، أن لقاء معراب رشح سمير جعجع ضمناً الى رئاسة الجمهورية باعتباره الأكثر جرأة على المضي في تطبيق القرارات الدولية مستنداً الى غالبية نيابية كبيرة وشعبية واسعة، لكن ذلك لم يخرج الى العلن في انتظار اتصالات مع السعودية التي أخذت عليه في خطاب يوم الشهداء استعداده لتعديل اتفاق الطائف حسب مصادر ديبلوماسية عربية.

وقال المصدر إن الرئيس نبيه بري لا يثق بنيات المعارضة ولا بالأسماء التي تطرحها كمرشحين توافقيين، مضيفاً: “انها تقدم الي مع كل مرشح لغماً ينفجر فيه في أول دعسة”.

وسواء كان هذا المشهد صحيحاً أو ملتبساً، لا بد من السؤال: هل يريد أحد رئيساً للجمهورية فعلاً أو على الأقل هل يستطيع جمع الغالبية المطلوبة لملء الفراغ في القصر الرئاسي؟

الجواب لا من دون أي مبررات أو ايضاحات، في وقت يتردد في الأوساط العربية والدولية أن المرحلة الحالية التي تقوم على الأرجح على قاعدة “غالب ومغلوب”، لا مكان فيها لمرشح توافقي يتلقى الصفعات من كل الجهات ولا مرشح صدامي يتلقى الرصاص من كل الجهات، بل المطلوب انتظار انكشاح الغبار عن حرب “حزب الله” – اسرائيل أولاً، وعن الانتخابات الرئاسية الأميركية ثانياً، وعن مسار الصدامات بين ايران وكل من اسرائيل والمجتمع الغربي ثالثاً، قبل تحديد الصفة التي يجب أن تغلف شخصية الرئيس المقبل.

في اختصار لا أحد في لبنان مؤهل أو قادر على حسم الملف الرئاسي لا بالحسنى ولا بالقوة، في وقت يصر المراقبون على أرضية واحدة تقول ان قصر بعبدا سيكون لمن يخرج غالباً من الحرب الحالية، وكل كلام آخر ليس الا أضغاث أحلام أو غباراً في الهواء أو استعراضات شعبية في معسكرات المعارضة أو استعراضات عسكرية في معسكرات الممانعة.

انها المرة الأولى في تاريخ لبنان يتحول مرشح ماروني من دون جيش أو صلاحيات الى هم دولي يمتد من برلمان لبنان الى الكونغرس الأميركي، وأن يصبح في حسابات “حزب الله” أقوى من سلاحه وفي حسابات المعارضة أقوى من “حزب الله”.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال