الحكومة أمام امتحان البرنامج والأداء

هيام طوق
هيام طوق

بعد سنة وأكثر من المخاض العسير، أبصرت الحكومة النور في اللقاء الرابع عشر بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، وسط حديث عن ضغوط داخلية وأخرى خارجية، لا سيما من الجانب الفرنسي ساهمت في الإفراج عنها.

وفي حين يعتبر البعض أنّ الحكومة ستشكّل بصيص أمل لفرملة الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي سيُودي بما تبقى من دولة، وأنها الضمان لتوفير الحد الأدنى من الاستقرار الوهمي، لكن لا يمكن أن “تشيل الزير من البير” في بناء الدولة على أسس صحيحة وواعدة؛ يرى فريق آخر أنّ الحكومة لن تقدّم ولن تؤخر، لأن الحل الوحيد هو برحيل رئيس الجمهورية والمنظومة الحاكمة، وعقد طاولة حوار تؤدي إلى إعادة العمل بنصوص الطائف والدستور، وإعادة لبنان إلى الساحتين العربية والدولية.

الحكومة شُكلت ونقطة على السطر. لكن نقاطاً عدة تبقى محور جدل وبحث لدى الكثيرين الذين يعتبرون أنّ الحكومة لم تتشكل إلا بالصيغة التي يريدها رئيس الجمهورية، وأنها تحمل في طياتها ثلثاً معطلاً مخفياً، وأنه جرت ترتيبات وتسويات ضمنية بين القوى السياسية في اللحظات الأخيرة، مع العلم أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية قد أعلنا أنهما لن يشاركا في أي حكومة فيها الثلث المعطل.

وفي قراءة للتشكيلة الحكومية والأسماء، تشدّد مختلف الجهات على أنّ المُسلّم به هو حصول رئيس الجمهورية على ضمانات معيّنة، لكن بمعزل عن الحقائب والأسماء ينتظر الجميع الصدمة الإيجابية التي ستُحدثها هذه الحكومة. ويبقى السؤال إن كانت ستتمكن من تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الحكومة المستقيلة، والتواصل مع المجتمع الدولي وإقرار رزمة الإصلاحات وانتزاع مساعدات دولية وفرملة الانهيار بمعزل عن هذا الاسم أو ذاك؟ وهل ستكون قادرة على تغيير واقع الحال لإخراج اللبنانيين من الذل الذي يعيشونه يومياً؟ أما السؤال الجوهري فهو: هل سيسهّل جبران باسيل عمل الحكومة أم سيعرقله عند أول قرار لا يصبّ في مصلحته؟

أسئلة تطرح على لسان جميع الذين يريدون الإبقاء على الجوّ التفاؤلي في التشكيل، الذي وصل في مرحلة معيّنة إلى حائط مسدود بسبب النكد السياسي الذي انتهجه باسيل. والأسابيع المقبلة ستحدّد مصير الحكومة: إما الفشل، وتتحوّل إلى حكومة مناكفات وانفجارات عند كل موضوع يُطرح على طاولة البحث؛ أو النجاح في الحد الأدنى لوضع البلد على سكة الإصلاح فتحمل في طياتها بوادر ثقة تطمئن المجتمع الدولي.

أجواء “تيار المستقبل” تعتبر أنه “علينا انتظار الممارسة إذا كانت لمصلحة البلد وليس لمصلحة فريق سياسي حاول لفترة طويلة الحصول على الثلث الضامن ليسيطر على قرارات الحكومة أو يقيلها عندما لا تتطابق مع مصالحه. والتحدّي الكبير هو إصلاح الكهرباء، وهنا ستنكشف نوايا جبران باسيل، وإذا كان فعلاً يريد إصلاح هذا القطاع. فلننتظر ماذا سيحصل بعد مرحلة اليأس التي كانت تشير إلى أنّ باسيل لا يريد حكومة، وهو غير مهتم بمعاناة الناس، عسى أن تستطيع القيام ببعض الإصلاحات”.

وعلى الرغم من أن النائب جمال الجراح وضع علامات استفهام حول بعض الأسماء كوزير السياحة وليد نصار ووزير الشباب والرياضة جورج كلاس، إلا أنه اعتبرهما اسمين أصحاب كفاءة، وتبقى العبرة في الممارسة وفي موضوعية التعاطي. ولم يبق سوى الأمل بأن تلعب الحكومة دوراً إيجابياً في المرحلة المقبلة، ولا تكون عرضة للمحاصصات والنكد السياسي، لأنّ السؤال الأساسي هنا: هل سيسهّل جبران باسيل عمل الحكومة أم سيعرقله؟ سؤال سننتظر الإجابة عنه في الأيام المقبلة.

أجواء “القوات اللبنانية” ليست بعيدة عن أجواء “المستقبل” لناحية التمسّك بالتفاؤل بعد انتهاء مرحلة الفراغ التي أهلكت البلد وشعبه، وهم ينظرون إلى الحكومة الجديدة “بالجملة وليس بالمفرق”، لأنّ الحكم سيأتي على العمل وطريقة التعاطي بعد أسابيع، ومعرفة ما يمكن أن تحققه لإخراج البلد من مأزقه.

وعلى ضفة الرئيس برّي الذي كان همّه تشكيل الحكومة، وكان يعمل على حضّ كل المعنيين للإسراع في العملية، وكان يدوّر الزوايا بالسرّ والعلن بهدف تذليل العقبات أمامها، وبذل جهوداً مضنية في المرحلة الأخيرة، وفق عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم، الذي أشار إلى أنه لا يرى أن هناك ثلثاً معطلاً في التشكيلة، ولو كان فيها ثلث معطل لما كنا انتظرنا حتى الآن لتشكيلها. الأهم اليوم أن تكون منسجمة مع بعضها، وألا تعمل بخلفيات كيدية أو انتمائية بخاصة أنها حكومة اختصاصيين بعيدة عن الكيديات الحزبية. المهم عند اللبنانيين أنه أصبحت لديهم حكومة بعد طول انتظار وبعد الكثير من السجالات والمناكفات، وعليها أن تعمل كفريق عمل واحد، بعيداً عن أي تبعية سياسية، بل تنطلق من روحية وطنية، لأنّ وجودها أصبح أكثر من ضرورة في هذه المرحلة، والأسابيع المقبلة ستكون بمثابة امتحان لها، ويكفينا ما أصابنا من تعطيل وإهدار للوقت، بل يجب استغلال كل لحظة للإنقاذ.

أما عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبد الله، فرأى أنّ المهم هو أنه أصبحت لدينا حكومة لأن أي حكومة أفضل من اللاحكومة، وعلينا انتظار البيان الوزاري، إذ لا يجوز أن نحكم على الأشخاص، فالمهم هما الأداء والبرنامج. المطلوب من الحكومة القيام بإصلاحات سريعة، فليس لدينا الكثير من الوقت. وأن تتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وتعيد لبنان إلى الانفتاح على العالم والعرب وإيقاف الانهيار. وسأل: ما قيمة الثلث الضامن أو الثلث المعطل؟ فالشعب كله معطل. العيش الكريم معطل، الأمن الصحي معطل، الأمن الغذائي معطل، الأمن التربوي معطل. لا ينقصنا تعطيل حكومي. وإذا أتى أي فريق في الحكومة بهدف التعطيل، فسنسأله: هل يجب علينا التعطيل أو العمل؟ لا تعني لنا الأسماء، إنما المهم الإنقاذ، لأننا بتنا جميعاً مهزومين. ننتصر حين ننقذ البلد. المناورات لا قيمة لها، إنما إعادة الحد الأدنى من العيش الكريم للمواطن.

وعلى خط “التكتل الوطني”، أكد النائب فريد هيكل الخازن أنّ لا ثلث معطلاً لأي طرف في الحكومة، وبناء على هذا الأساس شاركنا. لكن إذا تبيّن أنّ هناك ثلثاً معطلاً- على الرغم من شكّي بوجوده- بعملية خداع، فسيظهر ذلك في أداء الحكومة. وتحدّث عن الوزراء الثلاثة الذين قيل أنهم “وزراء ملغومون”، وهم وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية نجلاء رياشي، ووزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، ووزير الشباب والرياضة جورج كلاس، مؤكداً أنهم ليسوا محسوبين على أي فريق. وشدّد الخازن على أنّ المهمة صعبة، ونأمل أن تكون الحكومة على قدر التحدّيات للحد من الانهيار، متسائلاً: لماذا أهدرنا كل هذا الوقت لتشكيل حكومة؟ أليس هذا إجراماً؟

شارك المقال