طرابلس تترقب ولا تحتفل

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تحتفل مدينة طرابلس بإعلان تشكيل الرئيس نجيب ميقاتي الحكومة التي طال انتظارها لأكثر من عام، وهي احتفالات كانت تشهدها مختلف أحياء ومناطق المدينة ابتهاجًا بوصول ابنها إلى هذا المركز من جديد.

بعد إعلان الخبر، لم تتمكّن المدينة من طيّ صفحات الإهمال والعذاب والقهر التي رسمت صورة طرابلس المنكوبة طوال السنوات الأخيرة، مع بعض الخروق التي لم تكن مقبولة عند معظم الأهالي الذين يرزحون تحت وضع اقتصادي ومعيشيّ لا يسمح لهم بالتأقلم مع هذه التطوّرات السياسية المفاجئة.

لم تتمكّن المدينة من الاحتفال حين كُلّف ميقاتي تشكيل الحكومة. أمّا بعد التشكيل، فاقتصرت مظاهر الفرح على بعض المناصرين بإطلاق الرصاص الطائش الذي تزامن مع طوابير الذل التي لم تترك مواطنًا وإلّا وأدخلته في هذه الدوامة التي لا تقتصر على أزمة الوقود فحسب، بل امتدّت لتشمل كلّ المرافق الحيوية التي تمسّ المواطنين مباشرة بلا رحمة. وها هم المواطنون اليوم، لا سيما أبناء طرابلس، ينتظرون قرار رفع الدعم، ذلك لأنهم متأكدون أنّ الدولة لن ترحمهم أبدًا ولن تتخذ قراراتها أو تُصدر مراسيمها إلا بهدف موجّه تضمن به حقوقها، لا حقوق المواطن الذي أرهقته الأزمات المتوالية.

في غضون ذلك، وكما جرت العادة، انخفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء حين تمّ تشكيل الحكومة بشكلٍ موقت ووصل إلى 15 ألف ليرة لبنانية. ولم تستمرّ هذه اللعبة المتكرّرة طويلًا ليُعاود ارتفاعه بعد دقائق، وهو ارتفاع غير مفاجئ بل كان متوقّعًا ومقصودًا كما اعتاد اللبنانيون.

الرصاص الطائش وميقاتي

مقرّبون من ميقاتي أوضحوا لـ”لبنان الكبير” أنّ الحديث عن وجود نشاط احتفاليّ بهذه المناسبة غير لائق على الإطلاق، وذلك بسبب الوضع المعيشي والأحوال الاقتصادية التي تُبكي الحجر. فالفرحة معدومة عندما يُواجه المواطن هذه المآسي التي لا تجعله مرتاحًا، مشدّدين على أنّ الرئيس ميقاتي يُعمّم على مناصريه عدم القيام بأيّ احتفالات بدءًا من المفرقعات النارية، وصولًا إلى إطلاق الرصاص، بخاصّة في ظلّ القهر والضياع اللذين يواجههما المواطنون.

ويُمكن القول، أنّ الرصاص الطائش الذي أغرق طرق طرابلس وأدّى إلى خسائر مادية مختلفة، بات يُرعب الطرابلسيين الذين لم يُظهروا رفضًا تامًا لولادة هذه الحكومة، لكنهم في الوقت عينه، لم يتمكّنوا من تقبّلها أيضًا بشكلٍ تام.

الطرابلسيون وحكومة ميقاتي

يدرك الطرابلسيون عمومًا أهمّية تشكيل الحكومة، ويعرفون تمامًا خطورة الوضع الذي وصلت إليه البلاد. لكن الكثير منهم لا يرون أنّ هذه الحكومة أو غيرها ستكون قادرة على مواجهة الصعاب التي يعيشها المواطن، ممّا دفع بعضهم إلى السخرية والتهكّم من الحكومة الجديدة. وفي الوقت عينه، فإنهم يشعرون بأنّ تشكيل الحكومة يبقى أفضل بكثير من حال الفراغ السياسي التي قد تُغرق لبنان أكثر في المصائب والويلات التي يعجز المواطن عن تحمّل المزيد منها.

ويقول محمد أ. لـ”لبنان الكبير”: “نتمنّى الخروج من الضائقة المالية التي نعانيها، عسى أن تكون هذه الحكومة بارقة أمل نتمسّك بها لأننا لن نتمكّن من القيام بأي خطوة أخرى بعيداً عن الانتظار، أيّ انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع وما ستحمله هذه الحكومة من جديد وقرارات”.

وتسخر فاتنة ح. من الحكومة، وتقول: “عطّلوا كلّ شيء في هذه البلاد من أجل الثلث المعطّل، والآن يقولون أنّهم شكّلوا حكومة بلا ثلث معطّل؟ هل لبس الثلث المعطّل قبعة الإخفاء؟ من المعيب حقًا أن يستخفّوا بنا. وحتّى لو أخذت هذه الحكومة الثقة فنحن لا نثق فيها، لأنّ من يرأسها الآن هو نفسه من أوصلنا إلى المأساة التي نعيش فيها، وتُشاركه كلّ الطبقة السياسية الفاسدة”.

ويؤكّد عمر ب. ثقته بميقاتي، معتبرًا أنّ اللبنانيين لا بدّ لهم من إعطائه فرصة جديدة، ويقول: “هي ليست فرصة جديدة للسياسيين بقدر ما هي فرصة لنا لنحيا من جديد، ونحن في أمسّ الحاجة إلى هذه المحاولات ونأمل تحسّن الوضع بمساعدة القوى الخارجية”.

من جهته، لا يثق وليد (وهو أحد ثوار طرابلس) بهذه الحكومة، مشدّدًا على أنّ الطبقة السياسية لم تتغيّر، ومتسائلًا عن سبب تغيّب الثوار والمحتجّين عن الساحة الثورية. ويضيف: “استغلّ بعض الثوار الوضع الاقتصادي والاجتماعي لكسب الشهرة والأموال على حساب الفقراء في بلادنا. وفي طرابلس عروس الانتفاضة، ولد الكثير من رجالات الثورة الذين لم نعد نلمحهم إلّا في بعض الظروف التي تحتاج إلى قطع طرق وغيرها. وقد نسوا الشعارات التي كنّا نطلقها حينها، وهي شعارات ازدادت أولويتها مع قساوة الأيّام والظروف التي نشهدها. واليوم، نطالب بضرورة إجراء الانتخابات النيابية، وفرض القوى الأمنية والجيش اللبناني حماية أمنية لتحصين مناطق الشمال، لا سيما طرابلس، من أجواء الفوضى والسرقة والقتل وغيرها، فضلًا عن أهمّية إعلاء حقوقنا الأساسية التي علينا التحلّي بها”.

شارك المقال