بشير الجميّل… وإشكالية الحلم بوطن

هيام طوق
هيام طوق

عند الرابعة وعشر دقائق من الثلاثاء 14 أيلول 1982، بينما كان بشير الجميّل يخطب في زملائه من أعضاء حزب “الكتائب” في الأشرفية، انفجرت قنبلة أدت إلى مقتله و26 سياسيًا كتائبيًا. في تلك اللحظة، توقف الزمن بالنسبة للكثيرين الذين رأوا في البشير الرئيس الحلم، صاحب مشروع الجمهورية القوية على مساحة الـ10452 كيلومتراً مربعاً، والذي قال عشية اغتياله: “لن أدع المسلمين يطالبون بحقوقهم، أنا سأطالب بها عنهم وسأحققها لهم. الشراكة الوطنية تفوق كل اعتبار. آخر شرط أن تتم ضمن الولاء المطلق للبنان”.

الذكرى تمرّ حزينة على المؤيّدين كما على كل اللبنانيين الذين يمرّون بأسوأ ظرف عرفه لبنان في تاريخه، ويعتبرون أنّ المرحلة بحاجة إلى قائد من طينة بشير المؤمن بالقضية وبمشروع الدولة، الرافض للمساومات والتسويات على المبادئ، المؤمن بلبنان المستقل السيّد الحر، المنفتح على العالم وغير التابع لمحور من هنا ودولة من هناك. لبنان الكفاءة والعلم والتطوّر والحرية.

ويبقى وعد البشير بمتابعة المسيرة الوطنية المليئة بالشجاعة والصلابة والمحبة والتضحية والتواضع والبطولة، وصانع الأمل وحامل الشعلة المضيئة، وسط تساؤل: ماذا كان فعل بشير لو كان حياً اليوم؟ وهل يمكن أن يطلّ بشير جديد بسمات بشير الحلم في ظل انحراف مسار العهد القوي؟ وهل فعلاً برحيل بشير الجميّل ضاع الحلم بلبنان القوي والكيان التاريخي والوطن المزدهر القائم بذاته، وليس الدمية في أيدي المحاور؟ أسئلة أجاب عنها مسؤولون من مختلف الأطراف والانتماءات السياسية في حديثهم مع “لبنان الكبير”.

علوش: لا يمكن ربط الكيان بشخص

أشار نائب رئيس “تيار المستقبل” مصطفى علوش إلى أنه “لا يمكن تفسير تصرفات شخص في وقت من الأوقات بظروف أخرى. ولنخرج من منطق الأشخاص مهما كان دورهم في التاريخ، ولنتحدث بالمعطيات الموجودة بين أيدينا وما يمكننا أن نقوم به”.

وتحدث عن “الفارق بين بشير الجميّل ومن هو في موقع رئاسة الجمهورية اليوم، إذ أنّ البشير لا يهرب من معركة ولا يساوم أو يعقد تسويات على حساب أشخاص كانوا معه، ولا يتخلى عن السيادة والاستقلال. لا يوجد أي نوع من الشبه بين الرجلين” .

وشدّد على أنه “لا يمكن ربط كيان أو حلم بوطن، بشخص واحد، لأنه حينها يمكن القول: ضاع الكيان، حين استشهد الرئيس رفيق الحريري أو وليد عيدو أو المفتي حسن خالد وغيرهم الكثير من الشهداء. الكيان يستند إلى قناعة أبنائه باستمراره وبنائه”، مشيراً إلى أنه “ما بين 1975 و1982 حصلت أمور عدة أدّت إلى استشهاد آلاف اللبنانيين، لكن مما لا شك فيه أنّ بشير الجميل ترك بصمات أساسية وعميقة على هذا المسار”.

حميّد: النظام السياسي يحكم الجميع

اعتبر عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب أيوب حميّد أنه “لو كان بشير الجميّل موجوداً اليوم، لكان عليه أن يتراجع عن العلاقة مع إسرائيل، ويلمّ البيت الداخلي اللبناني، ويجد حضناً عربياً”.

وأضاف: “على الصعيد الداخلي، نحن في ظل نظام برلماني ديموقراطي، ولا يستطيع من هو في موقع الرئاسة القيام بما يريد، والتجربة مع الرئيس عون تدلّ على ذلك. فالنظام السياسي في البلد هو الذي يحكم الجميع، والرئيس القوي يكون قوياً بالنظام والقانون والدستور، ضمن آلية تعاون وتكامل بين السلطتين الإجرائية والتشريعية”.

ورأى أنّ “قدرة الشخص الذي يكون في موقع الرئاسة على التأثير والإقناع أمر جيد وايجابي، لكن دائماً نقول أننا لسنا في نظام رئاسي، والشعارات أصبحت مبتذلة، بدليل ما وصلنا إليه اليوم”.

شربل: لو كان بشير بيننا لحارب الفساد

أشار الوزير السابق مروان شربل إلى أنه “لو كان بشير الجميّل بيننا اليوم، لكان حارب الفساد، ولما كنا وصلنا إلى ما نحن عليه. لكن بعد اتفاق الطائف، لم تعد هناك صلاحيات لرئيس الجمهورية، وأصبحت الصلاحيات موزّعة بين 3 رؤساء”.

واعتبر أنه “لو استمر بشير رئيساً لمدّة 6 سنوات، لما كنا وصلنا إلى هنا. والعنفوان الذي كان يتمتع به هو الذي أدّى إلى اغتياله”، لافتاً إلى أنّ “هناك شخصيات مهمة وتستطيع أن تقوم بالإنجازات. بشير كانت لديه شخصية مميّزة وصلاحيات، وكان يهدف لمحاربة الفساد، وهو الذي تحدّث عن لبنان 10452، لكن إذا أتى اليوم رئيساً بشخصيته نفسها، من دون صلاحيات، فلا يمكنه أن يقوم بأي شيء”.

محفوض: هيبة بشير باحترامه القوانين

رأى رئيس “حركة التغيير” إيلي محفوض أنه “علينا أن نقسم مسيرة بشير إلى شقّين: بشير في الدولة وبشير خارجها؛ وكيفية خوض معاركه السياسية حفاظاً على الدولة”، معتبراً أنه “لو قدّر له وبقي على قيد الحياة واستمر في رئاسة الجمهورية لمدّة 6 سنوات لكان لا يريد أن يكون هناك سلاح غير سلاح الجيش اللبناني. وهو طلب من أفراد (القوات اللبنانية) التي كان قائدها أن يخلعوا البزة العسكرية ويرتدوا اللباس المدني”.

وأضاف: “كنا رأينا إدارة سليمة وشفافة بعيداً عن الرشوة. كنا رأينا علاقات خارجية من الندّ للندّ مع كل الدول، خصوصاً تلك الصديقة. لم نكن لنرى الحدود سائبة على ما هي عليه اليوم، وكنا شهدنا عملية ضبط للمعابر الشرعية وغير الشرعية. كنا رأينا عملاً مؤسساتياً وبرلمانياً مستقيماً، وكان ليطبّق فصل السلطات، وكان القضاء قام بواجباته من دون تدخّلات سياسية، والسلطة التنفيذية تحكم، والبرلمان يشرع”.

وأوضح: “هذا يلخّص مسيرة بشير الجميّل الذي لم يخترع البارود، إنما كان ملتزماً بالأصول والدستور والقوانين. لكن الهيبة التي فرضها بشير خلال الـ21 يوماً هي المهمّة وأرخت بظلالها على عقول الموظفين. الهيبة التي لم يفرضها بالقوة، بل باحترامه القوانين وإرادته في بناء دولة حقيقيةـ وليس ترميم المزرعة”.

وتابع: “نمرّ الآن بضمور في القيادات، لكن دائماً نمرّ بمثل هذه الظروف، مع اقتناعنا أنّنا بعد فترة قصيرة أو بعيدة، سنرى أكثر من بشير الذي تميّز بالصدق وعدم المساومة والمسايرة. وأرى هذه المواصفات موجودة اليوم في شخص رئيس حزب (القوات) سمير جعجع الذي يستحق أن يُعطى الفرصة”.

أما عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل أبو فاعور، فلم يشأ التعليق على الموضوع.

شارك المقال