مذكّرة التوقيف بحق فنيانوس… إجراء خطير

هيام طوق
هيام طوق

من يراقب مسار التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت منذ سنة، يدرك تماما ان هذا المسار سيكون طويلاً ومحفوفاً بكل أنواع المماطلة والعرقلة والتدخلات السياسية وصولًا الى طمس الحقيقة التي يسعى اليها الأهالي حتى الرمق الأخير، ويؤكدون انهم لن يتعبوا ولن يتركوا وسيلة لمعرفة ما جرى يوم الرابع من آب، وانهم لن يتركوا دماء شهدائهم تذهب هدراً كما حصل في جرائم سابقة حتى لو كلفهم ذلك عمراً بأكمله.

أمس، انتظر المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، مثول الوزير السابق يوسف فنيانوس أمامه الا أن الأخير لم يحضر مما دفع بيطار الى اصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، مع العلم ان القاضي كان قد أرجأ الاستجواب من 6 أيلول الجاري الى الخميس 16 منه (أمس) بعد أن حضر حينها وكيلاه المحاميان طوني فرنجية ونزيه الخوري، وتقدما بمذكرة دفوع شكلية تمحورت حول نقطتين أساسيتين: الأولى تشير الى أن صلاحية ملاحقة الوزير تعود للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وليس للمحقق العدلي. أما النقطة الثانية، فأثارت استئناف قرار نقابة المحامين في الشمال الذي أعطى الإذن لملاحقة فنيانوس أمام محكمة الاستئناف في الشمال، وأن هذا الاستئناف يوقف التحقيق حكماً الى حين صدور قرار المحكمة.

وفي أول تعليق على مذكرة التوقيف، أشار رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، عبر “تويتر”، الى أنه “مع صدور خبر مذكرة التوقيف بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس، نؤكد وقوفنا الى جانبه مدافعاً عن نفسه وبحق ضمن القوانين المرعية الإجراء”.

وفي تصريحات صحافية سابقة، أكد فنيانوس أنّ “دماء الشهداء والجرحى الذين وقعوا يوم الرابع من آب، تسمو فوق كل نقاش أو جدل قانوني، لأنّ الحقيقة وحدها تبلسم بعض الجراح، من هنا لا بدّ من التركيز على كيفية الوصول إلى هذه الحقيقة، لا الانجرار وراء أجندات سياسية ظالمة، لأن الظلم لا يقلّ قساوة عن وجع فقدان الأحبة. وما يحصل إلى الآن، هو مسار ظالم بحقّي”.

هذا ما قاله فنيانوس، لكن الأهالي ردّوا “نريد حقنا ولن نسكت عن دماء أولادنا”، وذلك خلال اعتصامهم أمام قصر العدل في بيروت، رفضاً للتدخلات السياسية في القضاء، واستنكارا لعدم محاسبة المتهمين في انفجار المرفأ. وعمدوا الى قطع طريق العدلية باتجاه سامي الصلح لبعض الوقت كما رموا طلاء أحمر على جدران قصر العدل ونوافذه، تعبيرا عن دماء أبنائهم التي سقطت في 4 آب.

وتوجه الأهالي الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي: “اذا دمعة عيونك على الأمهات، فلتكن عيونك علينا، وعليك الوقوف في صفنا ومساعدة بيطار في مسار إحقاق الحق والمساهمة بمثول الهاربين من العدالة أمام القضاء”.

وفي السياق عينه، أكد أهالي شهداء فوج إطفاء بيروت، في بيان، ان “اتصالا تم بين وليم نون، ممثلا الاهالي، والمحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري قبيل جلسة التحقيق مع وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، حيث سأل نون خوري عن أسباب تأخره في بت الدفوع الشكلية المقدمة من فنيانوس. وأتى الجواب: ما تعلموني شغلي، إلي سنوات بالجنايات. حقوقكم الشخصية بتاخدوها بالقانون لما بيخلص الملف. فكان رد نون: نحن لا نريد أموالا، بل نريد معرفة حقيقة من قتل أهلنا وفجر المرفأ. أنت كقاض حفظت ملف التحقيقات التي أجراها جهاز أمن الدولة قبل وقوع انفجار 4 آب، وأنت طرف في الملف ولست حكما. سنتكلم بشفافية للاعلام عما يجري”.

ولطالما عبّر الاهالي عن استيائهم من المماطلة المستمرة، وطالبوا بالاسراع في بتّ الاجراءات الشكلية والتوسع في التحقيقات لتشمل جميع المتورطين، لبنانيين كانوا أو أجانب مدنيين، قضاة وأمنيين أو سياسيين، فدماء الشهداء أغلى من المناصب كافة.

وندّد الأهالي خلال اعتصامهم، بتصرفات النيابة العامة التمييزية المشبوهة والمريبة والتي بدأت بتسريب معلومات التحقيق إلى جانب عدم قيامها بدورها الأساسي لجهة الادعاء.

وأكد شقيق الشهيد في فوج الإطفاء جو نون، وليم نون لـ”لبنان الكبير” ان “التحركات التصعيدية مستمرة، وربما يكون هناك تحرك السبت أو الاثنين المقبل، للضغط على المدعي العام غسان الخوري لتحويل المذكرة الى الأجهزة الأمنية لتوقيف الوزير فنيانوس الذي بعدم مثوله أمام المحقق العدلي يكون يتهرب من العدالة، فاذا تم توقيف فنيانوس، ستكر سبحة التوقيفات، وهذا ما نحن مصرون عليه”. 

زكّور: مذكرة التوقيف إجراء خطير جداً

وعن المسار القانوني لمذكرة التوقيف، تحدث رئيس مركز” لبيرتي للدراسات القانونية والإستراتيجية” محمد زكور لـ”لبنان الكبير” موضحا ان “مذكرات التوقيف هي نوعان: اما مذكرة توقيف وجاهية وهي التي يصدرها قاضي التحقيق أو المحقق العدلي عندما يمثل المتهم أمامه، وتتوافر شبهات قوية بحقه. ولقاضي التحقيق عند عدم مثول المدعى عليه أو المتهم أن يصدر مذكرة توقيف غيابية، وتكون وفق النص، عندما يتعذر ابلاغ المدعى عليه أو عدم العثور عليه أو جهل عنوانه. وبالتالي، فإن مذكرة التوقيف الصادرة بحق الوزير فنيانوس تعتبر اجراءاً خطيراً جداً ينمّ عن جدية لدى قاضي التحقيق بالذهاب حتى النهاية في محاسبة أي مسؤول”.

وتابع: “مذكرة التوقيف الغيابية ما لم يطلب استردادها المتهم أو وكيله للحضور، فهي دائمة ولا تلغى أو ترفع تلقائيا كمذكرة بلاغ البحث والتحري التي مدتها 10 أيام، ويمكن أن تمدّد الى 30 يوماً كحد أقصى والتي تصدرها النيابة العامة”.

وعن الخيارات المتاحة أمام الوزير فنيانوس، لفت زكور الى انه “اما يطلب استرداد مذكرة التوقيف والذهاب لاستجوابه، وعندها يحق للمحقق العدلي اما تركه على ذمة التحقيق أو استبدال مذكرة التوقيف الغيابية بوجاهية، فيوقفه، واما أن يهمل الذهاب، وتبقى مذكرة التوقيف الغيابية سارية في حقه”.

وأشار الى انه “عادة من يناط به تنفيذ مذكرة التوقيف هي القوى الأمنية، لكن السؤال الذي يطرح هل ستذهب القوى الأمنية لتنفيذ المذكرة؟ أو كما اعتدنا في لبنان، فإن السياسة والدويلات الطائفية أقوى من كل شيء؟”

شارك المقال