مشروع سوق الخضار “بالمفرّق”، كلّف بلدية بيروت ملايين الدولارات ولا يزال ينتظر تشغيله وتسجيل العقارات باسم البلدية. تم تشييد مبنى السوق في منطقة أرض جلول، وأبصر النور بعد 10 سنوات من العمل، ثم دخل مرحلة العراقيل الإدارية منذ 4 سنوات، وحتى اليوم لم يستحصل على المعاملة التي لا تتخطى كلفتها الـ100 ألف ليرة لبنانية! وفجأة، عادت السوق حديث الساعة في هذا الوقت الصعب الذي تمر به البلاد بسبب حاجة بيروت وأهلها لمثل مشاريع كهذه تعود عليهم بالفائدة، إلى جانب تحريك العجلة الاقتصادية في العاصمة من خلال تشغيل يد عاملة بيروتية، وتنظيمه إدارياً ليكون مركزاً تجارياً مهماً يعكس الوجه الحضاري للمنطقة.
وعلى الرغم من الإيجابية التي تحيط المشروع، إلا أنه لاقى اعتراضاً وامتعاضاً من بائعي الخضار التقليديين الذين يوجدون ببسطاتهم وعرباتهم إلى جوانب الطرقات وداخل الأحياء السكنية، ليس رفضاً لتشغيله بل خوفاً من تأثيره على مصلحتهم وتراجع نسبة المبيع لديهم.
ويرى أحد أصحاب البسطات الذي رفض الإفصاح عن اسمه أنه “لو يتم تخصيص مكان لنا داخل هذه السوق بإيجار شبه مجاني علّنا نستفيد أكثر في تجارتنا، لأن تشغيل هذا المجمع سيكون بداية نهاية البسطات في بيروت”، بينما رفض أبو نبيل الذي يبيع الخضار على عربة بثلاثة دواليب هذا الكلام وقال إنه “لكل إنسان باب رزق، وأرى أن افتتاح هذه السوق لن يؤثر فينا، وبالأخص في ظل هذه الأيام الصعبة التي يعيشها اللبنانيون جميعاً، فالإقبال على الرخيص يدوم، ولا شك في أن أسعارنا ستبقى أرخص من السوق التجارية”.
إهمال البلدية والتنفيذ القريب!
وللاستفسار عن آخر المستجدات في ما خص تسجيل العقار وطبيعة العراقيل التي تواجه تشغيل السوق، التقى “لبنان الكبير” أحد أعضاء المجلس البلدي لمدينة بيروت الذي رفض ذكر اسمه، فقال إن “العراقيل ليست سياسية، فالجزء الكبير من الموضوع بالنسبة لشراء العقار أو حتى موضوع تلزيم المشروع وإنشائه أصبحت من الماضي، المشكل الأساس اليوم هو إهمال البلدية، والمجلس البلدي مسؤول أمام المواطنين وأهل بيروت عن تقصيره على أساس أنه مجموعة تمثل هذه الشريحة من الناس وهم من أوصلوهم إلى منصبهم الحالي وبالتالي لهم حقوق وواجبات”.
ويضيف: “دائرة المباني هي المسؤولة عن أملاك البلدية، وعلى رأسها الأستاذة يمنى ن.، وقد كلّفها المحافظ وهي مَن تحصي أملاك البلدية (عقارات مبنية/أراضي)، إضافة إلى تكليفها تسجيل العقارات التي تم شراؤها لنُصدر بها سنداً أخضر، وكُنا قد اشترينا 5 عقارات أيام المجلس البلدي السابق موزعين بين مناطق الأشرفية، الحمراء، كورنيش المزرعة، الشويفات، والطريق الجديدة، على أن يصبح جزء منها مواقف للسيارات، ويصبح الجزء الآخر في أرض جلول – منطقة الطريق الجديدة سوقاً للخضار بالمفرق”.
حول تخليص المعاملة الإدارية والإهمال، يقول: “كانت هناك عقبة أساسية تتمثل في أننا لا تستطيع إطلاق مناقصة لبناء هذه السوق طالما لم يتم تسجيلها بعد في العقارات على أنها ملك لبلدية بيروت، لأن طبيعة البيروقراطية اللبنانية تكمن في أن جميع المعاملات الرسمية تتطلب وقتا طويلا لإنجازها، وهذا لا يُلغي تقصير البلدية في متابعة هذا الموضوع، ومن دائرة المباني تحديداً”.
ويتابع: “المشروع مهم لمنطقة بيروت وأهلها، وعلينا غض النظر عن بعض الشوائب لتحريك العجلة الاقتصادية، ويجب العمل على تسجيل العقار، وتشغيل السوق بعد توقيع الاتفاقية مع نقابة تجار الخضار والفاكهة بالمفرق، علاوة على تأمين إدارة للسوق تستطيع تنظيم مواضيع الصيانة داخله لضمان استمراريته”.
ويختم عضو المجلس البلدي حديثه أن “هذا الموضوع من أولويات الرئيس الحريري اليوم، والجمعيات في بيروت المهتمة بالعمل الاجتماعي والشأن العام كجمعية بيروت للتنمية الإحتماعية تمارس ضغوطاً لتشغيل السوق، وأتوقع تشغيل السوق مع نهاية هذا العام”.
تشغيله يتعلق بالانتخابات
يرى عامر جلول أحد الناشطين المهتمين بالحديث عن قضايا بيروت ومعاناتها أنه “بات الموضوع اليوم متعلقاً بالإنتخابات، وهذا السوق لن يتم تنفيذها لأن هناك أفرقاء يريدون إحباط الحريري سياسياً، على الرغم من أن المشروع أصبح في نهايته ولا يحتاج إلا خطوة صغيرة جداً وكلّف نحو 30 مليون دولار”.
برأيه أن البلدية “مجردة من الصلاحيات لصالح المحافظ، والذي نعتبره رئيس جمهورية بيروت، لدرجة أنه هو من يراقب نفسه وهذا الأمر غير مقبول، وداخل المجلس البلدي نفسه هناك مواجهات بين الأعضاء المحسوبين على عدة أحزاب سياسية مختلفة، وهي لا تعكس الواقع البيروتي أبداً”.
ويُنهي حديثه: “نحن كناشطين ومن بيروت يهمُنا أن يُفتتح في أسرع وقت ممكن لأنه سيحرّك العجلة الإقتصادية في المنطقة، ويعود بالمنفعة على أهل بيروت بشكل خاص، كما نطالب بألا تكون إدارتها بيد أشخاص معينين، فعلى الرغم من عدم ثقتنا بالبلدية إلا أننا نُفضل أن تتسلم هي إدارته، والنقطة الأهم أن يكون الموظفون من بيروت تحديداً لأننا نعاني من تهميش كبير على مستوى الإدارات والوزارات”.
تشغيل سوق الخضار بالمفرّق ضرورة في ظل الضائقة الاقتصادية، إذ يخفّف عن المستهلك الكثير، فهل سيتم تشغيله فعلاً، أم سيلقى مصير المشاريع التي أنجزت ولم تدخل حيز التشغيل بسبب المناكفات السياسية واللامبالاة بمصلحة الشعب كالعادة؟!