مدمنو المخدرات ضحية الدولة

نور فياض
نور فياض

قلب بارد، ومسدس فردي يطلق النار على أسرته من دون أي انفعال. تحدث الجريمة ولا يبالي. فعقله في غيبوبة موقتة يصحو منها بعد فوات الاوان. تتعدد انواع الجرائم وتنفرد المخدرات بارتكابها.

شهد لبنان 163 جريمة قتل في الاشهر العشرة الاخيرة من سنة 2021 وارتفعت نسبة الجرائم 2.51% عن السنة الفائتة وفق ما قاله رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي العقيد جوزف مسلم الذي يؤكد لـ”لبنان الكبير” ان غالبيتها ترتكب من اشخاص تحت تأثير المخدرات، مع الاشارة الى ان مديرية قوى الامن تعمل جاهدة على محاسبة المروجين والقبض عليهم.

تشير الدكتورة أديبة حمدان استاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية لـ”لبنان الكبير” ان “الحالة الاجتماعية والاقتصادية هما من الاسباب الاساسية لانتشار آفة المخدرات في العديد من المجتمعات. ولا ننسى الاوضاع السياسية المهتزة هي السبب المباشر الاساسي لانتشارها فتسمح للتاجر والمزارع بتوزيعها بشكل اسرع.”

وتتابع حمدان: “يعتبر المتعاطي ان المخدرات هي حل للأزمات التي يعيشها، فهذه الآفة بمثابة مرض اجتماعي لا بد من معالجته وفهم اسبابه. اضافة الى ان المخدرات هي المؤثر المباشر في التفلت الأمني وحركة الشباب في المجتمع وتؤدي الى شلّ طاقتهم”.

وتقول حمدان: “التعاطي هو انحراف، فالشريحة المنحرفة اجتماعياً وصحياً تؤدي الى وجود شريحة منحرفة على مستوى السرقات والجرائم. من الاسباب ايضا التي تزيد من انتشار المخدرات وتفشي هذه الآفة هي البطالة والبؤر الأمنية الخالية من سلطة الدولة مما يجعل ارض لبنان خصبة لانتشار المخدر وتسويق غالبيته على ابواب الجامعات.”

في ما يختص بطرق المعالجة تقول حمدان: “اي مجتمع يطمح الى معالجة هذه الظاهرة قبل حدوثها لا بد من تدابير وقائية تبدأ من توفير الامان الاجتماعي والازدهار الاقتصادي والآمن بكل تفاصيله، فهذه التدابير تؤدي الى اندماج كل الفئات الاجتماعية كل في قطاعه، كما يجب تأمين حياة كريمة لأفراد المجتمع كافة، مما يسمح بتكثيف طاقة الشباب من اجل تنمية مستدامة”.

وتؤكد حمدان ان “على الدولة رفع مستوى فرص العمل للمتعلم وغير المتعلم، ووزارة الشباب المعطّلة عليها تفعيل الانشطة، اما وزارة الشؤون فمهمتها تأمين العلاج للمتعاطين ودعم الاسر للحد من التعاطي، ووزارة التربية مسؤولة عن التوعية حول الانزلاق نحو المخدرات”.

وتختم: “المخدرات هي نتيجة الانهيار الذي نعيشه وهي السبب في تدهور حياتنا الاجتماعية والصحية مما يستدعي منا الاستنفار والتدخل للحد من هذه الآفة.”

وفي السياق عينه، يؤكد رئيس جمعية “جاد” جوزف حواط أنّ “العرض والطلب مرتبطان اي كلما ارتفع وجود المخدرات، ارتفعت معه اعداد المصابين.”

ويضيف حواط: “تتعدد انواع المخدرات من الهيرويين الى الكوكايين وغيرهما وجميعها انتاج محلي، فبسبب عدم التصدير يلجأ المروّج الى بيعها في الداخل مما يزيد اعداد المتعاطين كل سنة اكثر واكثر.”

ويشير حواط الى ان “آلية العلاج في لبنان والعالم فاشلة، إذ نرى العديد من الجمعيات قد اقفلت ابوابها لأنها لا تركّز على الدمج المجتمعي، بل تكون طريقة العلاج كلاسيكية مثل تنظيف الجسم على مدى سبعة ايام ثم يتابع المريض برنامجاً متخصصاً مع فريق عمل وهذا غير كاف فيفشل العلاج”.

ويتابع حواط: “الغطاء السياسي للمروجين والتجار هو من الاسباب الرئيسية لانتشار آفة المخدرات. ان غالبية الاهالي يتخلون عن اولادهم فيعتبرون ولدهم المدمن “جرصة” لهم وللعائلة أمام الجيران كما يؤثر في علاقات اخوته بالمجتمع. اما البعض الآخر من الاهل فيعاني من يأس شديد فتقوم الجمعية بمعالجتهم ومعالجة ابنهم.”

شهد لبنان في الشهر الاخير ثلاث جرائم مروعة حصلت بأعصاب باردة. أفظعها تلك المتعلقة بحادثة منطقة المنكوبين شمالي لبنان، حيث اقدم شاب على إطلاق النار على شقيقته، فأرداها قبل أن يسقط هو الآخر بطلقة نارية داخل منزله ليتضح بعدها انه كان تحت تأثير المخدرات. وأضيء على هذه الجريمة من الوسائل الاعلامية، فيما العديد من الحالات غير معلن عنها.

وتتحدث إحدى الامهات لـ”لبنان الكبير” عن “معاناتها من حالة ابنها الذي كان ضحية المجتمع، فتقول: “ربّيت ابني على الصراط المستقيم كنت دائما انبهه من هذا السم اللعين واخبره قصصا عنها لعدم الوقوع بها، لكن حلّت المصيبة. تعرّف إلى اصدقاء في الجامعة “جروه وراهن” واغروه بالهدايا والاموال فبدأ مسيرة الانحراف بالترويج، وبعد فترة اتى الى المنزل بحالة يرثى لها وكانت الصدمة لي وللعائلة”. وتتابع: “اكتشفنا انه يتعاطى المخدرات حاولنا ان نخفي الامر، لكن اصدقاءه بلّغوا عنه ودخل السجن 4 سنوات وبعد انتهاء مدة العقوبة دخل احدى الجمعيات للعلاج واليوم تاب وعاد الى يقظته”. وتختم الام: “احمد الله انه لم يرتكب الجرائم واشكر الذي بلّغ عنه، فلولا التبليغ لما تاب.”

رفقاء السوء والاوضاع الاقتصادية والامن المتلفت هي الاسباب الرئيسية لإنتشار معظم الآفات، فهل ستتحرك الدولة وتشدد المراقبة على ابنائها على الرغم من انشغالها بمشاكلها؟ ونذكّر ان الدولة تسعى الى اطلاق مشروع القنب الهندي لاستعماله طبياً، فهل ستحجب النظر عن هذه الآفة لتمرير القانون؟!

شارك المقال