عندما يتساوى العالم والتافه

محمد شمس الدين

انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وشعبيتها أدتا إلى ظهور حالة تسمى المؤثرين في مختلف المجالات (Bloggers). هؤلاء أشخاص اختاروا أن يكونوا موجهين للرأي العام ومتحدثين باسمه، وبالتالي اعتبروا أنه من حقهم أن يقودوا الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي. كما انتشرت معهم صفحات تعتبر “مراقبةً” للشأن العام، إذ تنتشر صفحات أمنية، عسكرية، قضائية، حكومات ظل، وغيرها الكثير التي تشمل كل قطاعات الدولة.

بعض هذه الصفحات مفيد فعلاً، مثل تلك التي تنشر القوانين وبنود الدستور، ويتولاها أصحاب اختصاص، أما أغلبية هذه الصفحات فكل ما يهمها هو “الترند”، وهدفها إحداث صدمة مثيرة للجدل. فمثلاً هناك صفحة تنشر حوادث أمنية، والغريب بالموضوع أنها تنشرها قبل أن تنشرها صفحة قوى الأمن. فكيف يتمكن حساب خاص من نشر المعلومات في مواقع التواصل قبل القوى الأمنية، وهل يملك إمكانات أكبر؟

أما الأخطر فهي تلك الصفحات التي تبحث عن أتفه المخالفات القانونية وتنشرها للوشاية بها، فمثلاً تنشر صورا لصاحب اكسبرس يحاول كسب رزقه وتطالب بإزالته لأنه ليس لديه رخصة، أو تنشر صورا لسيارة ما ليس لديها مرآة وتعتبرها خطرا على السلامة العامة، من دون أن تدقق بالحالة الخاصة التي تنشرها وإن كان هناك من أسباب مخفّفة تحديدا في زمن الانهيار المالي.

وهناك صفحات أخطر من هذه، هي تلك التي تهدد أرزاق الناس، مثل تلك التي تختبر البضائع والمأكولات وتعطيها علامات وفقا لتجربتها. إحدى هذه الصفحات تتحدث عن المطاعم وهي بالظاهر تسمح للجمهور بنشر تجاربه، لكن مشغلي تلك الصفحة هم الذين يقررون المسموح بنشره، لذلك يتواصلون مع المطاعم ويطلبون أموالاً (ويبتزونهم) مقابل منع أي منشور ناقد والسماح بالمنشورات الإيجابية، وهم بذلك يوجهون الناس وفقا لمصالحهم الخاصة فقط.

الـ”بلوغرز” هم أشخاص من المفترض أنهم متخصصون في مجال ما، قد يكون بالأزياء أو السياحة مثلاً أو أي مجال آخر. مثلا انتشر البارحة فيديو لـ”بلوغر” يدعى “dr food” ويظهر فيه البلوغر وهو يهين رجلاً يبيع الكعكة الطرابلسية ويتهمه بالبخل، وكأنه في مطعم 5 نجوم يطلب طبقاً غالياً ولم يعجبه الطعام، ولا يفكر أنه يتعامل مع مالك عربة فقير يعيش بعدد الكعكات التي يبيعها يومياً. الفيديو سبّب غضبا في مواقع التواصل ودفع الناشطين الى التضامن مع مالك العربة واكتشفوا مكان وجوده وبدأ الناس التهافت للشراء من عربته في ساحة النور في طرابلس.

يقال أن صامويل كولت عندما اخترع مسدسه الشهير قال: “الآن تساوى القوي والجبان”… اليوم مع انتشار ظواهر كالمذكورة أعلاه، من اخترع فكرة مواقع التواصل الاجتماعي لا بد أنه يقول: “الآن تساوى العالم والتافه”. مع عدم إنكار إيجابيات عديدة لمواقع التواصل إلا أن هذه الظواهر السلبية لا يمكن السكوت عنها، ووجب التوعية ضد تأثيرات هؤلاء “المؤثرين”، لأن كل همهم هو الترند وليس الحقيقة.

شارك المقال