طقوس الميلاد غابت…

نور فياض
نور فياض

عندما نسقي عطشانَ كأس ماء نكون في الميلاد، عندما نكسي عارياً ثوب حب نكون في الميلاد. فأين طقوس الميلاد؟! ينتظر الجميع شهر كانون الأول للاحتفال بعيدي الميلاد ورأس السنة، لكن الأوضاع الاقتصادية قلبت الأمور رأساً على عقب، وبدلاً من انتظارالأعياد باتوا يترقبون أسعار الدولار. فبأي حال عدت يا عيد؟

أسبوعان يفصلان عن موسم الأعياد، فعادة ما تصدح الترانيم في كل الأرجاء خلال هذه الفترة وتسرح عيوننا في تأمّل أجمل الزينات، وتكتظّ المحلات بمشتري ثياب العيد والحبشة وكل مستلزمات الاحتفال، من دون أن ننسى تهافت الأهل على حجز الهدايا ليوزّعها بابا نويل بين صغارهم. إلا أنّ هذه الظواهر ولّت، فغابت الزينة وحلّ الظلام وفرغت الطرقات من المهرجانات وأقفلت المحلات، أما لوازم السهرة فاستبدلت بطعام يومي.

عشاء عيد الميلاد يتضمّن عادة حبشة العيد وبعض “الشاركوتيري” (أجبان متنوّعة ولحوم) وحلوى الميلاد أي buche de noel وأصنافاً أخرى من مكسّرات ونبيذ…

العام الفائت كان سعر حبشة العيد يبدأ بـ 150 ألف ليرة، ويصل إلى نحو 250 ألف ليرة حداً أقصى. لكن هذه السنة بات ثمن الحبشة 800 ألف ليرة على الأقل، ويصل إلى مليون و300 ألف ليرة. بمعنى آخر تمكنت الحبشة من الفوز على الحد الأدنى للأجور! وإذا تم طهو الحبشة في المنزل، فسعرها نيئة نحو 500 ألف وتختلف من تاجر إلى آخر، أما الأرزّ فكان سعر الكيلوغرام منه نحو 2500 ليرة، وبات 30 ألفاً. وتعلو الصرخة عند التزيين، فكيلوغرام الصنوبر يتخطى المليوني ليرة وربما أكثر. أما الكاجو واللوز والجوز فسعرها 300 ألف.

حلوى العيد أصبحت للأرستوقراطيين، لأنّ جميع أنواع الحلويات ارتفع ثمنها نحو ثلاثة أضعاف وأكثر. “البوش دو نويل” ذات النوعية الفاخرة كان ثمنه قبل الأزمة نحو 100 ألف ليرة، أما اليوم فبات نحو مليون و100 ألف، وأرخص أنواعها يبدأ بـ800 ألف ليرة.

أما الأجبان فلم تسلم هي أيضاً من الارتفاع الجنوني للأسعار، فأقل كيلوغرام منها سعره 70 ألفاً ويتغير حسب النوعية. والنبيذ هو المشروب الأساسي للسهرة يُسكر سعره قبل شربه، فالزجاجة العادية يبدأ سعرها بـ150 ألفاً.

أما ثياب وهدايا العيد فحدّث ولا حرج، وهي باتت من المحرّمات. فلتتمتع بعيد راقٍ ومميّز أنت بحاجة إلى 500 دولار حداً أدنى. بعبارة أخرى، يجب أن تكون غنياً لتمارس طقوس الميلاد.

تقول ميريام وهي أم لثلاثة أطفال لـ”لبنان الكبير”: “الوضعان الاقتصادي والسياسي في البلاد أثّرا في قدرة عائلتها الشرائية، فشراء ثياب جديدة أو أي هدايا بات من المستحيلات. فتأمين الطعام أهمّ من هذه الظواهر”.

“اضطررت وعائلتي للاستغناء عن بعض العادات التي كانت ترافقنا خلال العيد بسبب الأزمة التي تعصف بالبلاد. حرمونا فرحة العيد، الله لا يوفقن”، بهذه العبارات تصف ماري لـ” لبنان الكبير” أوجاعها، وتتابع: “كنا نسافر في كل ميلاد إلى تركيا أو اليونان لقضاء العطلة وكنت أجني ربحاً كبيراً من المتجر الذي أملكه، ففي مثل هذا الوقت من كل سنة، كان الزبائن يأتون بالمئات أما اليوم فحركة الشراء أقل بكثير من السنوات الماضية وهي شبه معدومة”.

وتضيف: “لم نستطع شراء شجرة ميلاد جديدة، فما زلنا نزيّن شجرة الـ2018 أما الحبشة وهي الأحب الى قلبي، فسأتخلى عنها هذه السنة. سهرة الميلاد بسبب قوّة الطبقة الحاكمة أصبحت كيوم عادي، على أمل أن يشفع لنا يسوع وينقذنا من السياسيين. لبنان ما بيستاهل هيك يصير فيه”.

في الوقت الذي تعمّ فرحة الميلاد جميع أنحاء العالم، يقف اللبناني متعجباً ومتحسّراً على ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في بلده مع غياب السياح وأصوات الترانيم والحفلات. فسابقاً، من كان لا يعرف جغرافيا لبنان، فأطباقه أيضا تصنع هويته. لكن اليوم، لم يبقَ منه سوى هذه البقعة الجغرافية وأصبح لا يؤتمن على سلامة فقيره الذي قدّر له أن يُحرم حتى من فرحة الميلاد.

شارك المقال