“هوية” الجنوب صامدة

نور فياض
نور فياض

وأنت تمرّ على أوتوستراد الجنوب يسرح نظرك في مناظر خلّابة ولوحات فريدة تكاد لا تراها في مناطق أخرى. الأزرق والأخضر لونان يزيّنانه، واعتاد الزائر الجنوبي رؤية مثل هذا التنوّع، اذ أنّ الاول يرمز الى البحر الذي يحمي ضفاف الجنوب، والثاني يرجع الى أشجار الحمضيات التي تعتبر أرزه أو عاموده الفقري. لكن لا شيء يكتمل، فالمنظر الجميل تنقصه رائحة زهر الليمون التي كانت سابقا تعبق بضيوف الساحل الجنوبي وزواره.

يؤكّد رئيس تجمع مزارعي الجنوب محمد الحسيني لـ”لبنان الكبير” أنّه “على الرغم من تحليق أسعار الأدوية الزراعية والمغذيات والأسمدة، التي يدفع ثمنها حسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء، الا أنّ أسعار الحمضيات لم ترتفع وبقيت ثابتة بالليرة اللبنانية لكنها على موعد مع غلاء كالمعتاد أواخر الصيف”.

ويضيف الحسيني: “مما لا شك فيه أن هذا القطاع تأثّر بالأزمة الاقتصادية وكذلك بالعواصف المناخية التي حلّت بلبنان مؤخرا، فحبّات البرد والهواء القارس كانا السبب في تساقط زهور هذه الأشجار التي تنتج ثمرة الحامض أو الليمون. اما اقتصاديا، فالحمضيات لا تزال تباع بالليرة اللبنانية مع العلم أن الأدوية والأسمدة ارتفع سعرها مرّتين ونصف، وكذلك اليد العاملة طالها الغلاء وخفّ مدخولها مما أرغمها على هجر هذه المصلحة”.

ويختم: “تصدّر من الحمضيات كميات قليلة وفي المقابل التكاليف أكثر من الربح مما يجعل هذا القطاع يعاني خسائر وكوارث جمّة”.

في هذا السياق، يجزم مصدر خاص من مصلحة الزراعة في الجنوب لـ”لبنان الكبير”، أن “كلفة المواد الزراعية واليد العاملة هما مشكلتان رئيسيتان في تدهور قطاع الحمضيات”.

ويقول: “صحيح أن الحمضيات هي منتج لبناني وغير مستورد لكن ارتفاع الدولار أصابه بسوء، فجميع المواد تستورد بالدولار اضافة الى ارتفاع سعر المازوت الذي يستعمل لماكينات الري. لذلك، لنيل الأرباح يحتاج المزارع الى تصدير الحمضيات الى الخارج، لأن السوق المحلية لا تؤمّن له الربح الوفير”.

ويشير الى أن “لبنان كان يصدّر حمضياته الى سوريا، اما اليوم فهي ايضا تعاني من مشكلات بالنسبة الى الدولار، ولا يستطيع التاجر أن يصدّر منتجه اليها ولا الى عدد من الدول نتيجة السياسة والاستراتيجية والحصار الذي تفرضه دول عدّة”.

ويتساءل المصدر: “النواب والوزراء يلومون الدولة لكن من يمثّل الدولة؟! مع العلم أن وزراء الزراعة لم يقصّروا لكن ميزانية هذا القطاع لا تتعدى ١% فكيف سيُنشط؟، لافتا الى أن العديد من المنظمات تقدم المساعدات، ومؤخرا برنامج البنك الدولي أعطى قسائم شرائية للمزارعين لكنها ليست كافية بسبب غياب الاستدامة”.

ويرى أن “المساعدات المدعومة هي هدر وسرقة وكل من يشارك فيها فاسد، اضافة الى أن الشعب وغالبية التجار بلا ضمير، وكان على الدولة انشاء المشاريع ولكنها هي الاخرى لا ثقة بها”.

ويختم: “الحمضيات والموز هوية الجنوب لكن المواطن الجنوبي يلجأ احيانا الى الركض وراء المنتج الأكثر رواجا والأكثر طلبا فيستبدل الحمضيات بالأڤوكادو أو القشطة أو حتى العنب الذي لديه استعمالات عدة كالنبيذ وغيره ويكون أكثر ربحا من منتج زراعي آخر. واذا بقيت دولة يبقى القطاع صامدا”.

ويقول أحد تجار الحمضيات وهو ضامن لأحد البساتين في مدينة صور ح.ف. لـ”لبنان الكبير”: “انّ زراعة الحمضيات مرّت بتقلبات عدة جراء الأوضاع الاقتصادية والسياسية وحتى المناخية. سياسيا: اقفال المعابر مع سوريا، التي من خلالها كانت تصدّر الى الأردن والعراق ودول الخليج العربي، اضافة الى توتر العلاقات بين لبنان وغالبية الدول التي كانت تشتهر أسواقها بالحامض اللبناني. اقتصاديا: هبوط الليرة مقابل الدولار أدى الى ارتفاع أسعار الأدوية الزراعية والمازوت فوصل الامر بالمزارعين الى ترك انتاجهم على الأشجار أو على الأرض. أما مناخيا، فالعواصف والشتاء كانا السبب في موت زهور هذه الأشجار، فنتج عن ذلك ارتفاع ضئيل في الاسعار. وبالنسبة الى الأرباح فهي غائبة عن جيوبنا ولا حل قريبا”.

لا يلام المزارع في التدهور الذي يعصف بالقطاع الزراعي، بل الدولة هي الأكثر ملامة، لأنها من خلقت مشكلة الدولار وأغمضت عينها عن المعابر وعن تزيين المنتج المصدّر بالكبتاغون والكوكايين فبات هذا القطاع يعيش في شلل ينتظر من ولي أمره الاستيقاظ لنهوضه، لكن لا وليّ قبل أن يأتي الأمر الخارجي ويفك الحصار ليركض هذا القطاع ولا يركد.

شارك المقال