الأزمة تُعيد “بوابير الكاز” إلى الحياة من جديد

إسراء ديب
إسراء ديب

في دكانٍ بسيط في سوق النحاسين الطرابلسية، ومع كوب القهوة الذي يحتسيه يومياً، يجلس بلال طرطوسي (41 عاماً) الى طاولته التي يقوم بتصليح “بوابير الكاز” عليها، وهي تحمل الكثير من الذكريات، ويبدو أنّها ستعود إلى الواجهة من جديد لتحيا بعد أزمات اقتصادية واجتماعية تدفع النّاس للعودة إلى “قديمهم” أو الحفاظ على أغراضهم وممتلكاتهم لعلّها تُفيدهم في زمن الغلاء والوباء.

منذ أكثر من عشرين عاماً، اختار بلال مهنة تصليح “بوابير الكاز” وهي مهنة حرفية ثمينة كانت تتجه إلى الاندثار فعلياً، ولم يكن يشعر يوماً بأنّها مهنة صعبة مع أنّها تحتاج إلى تدقيق وتركيز لأنّها يدوية. وفي الواقع لم يكتف بلال بتصليح هذه “البوابير” فحسب، بل يقوم أيضاً بتصليح النرجيلة وتلميعها، المناقل، وكلّ ما له علاقة بالنحاس بدقّة ومهنية، ما يجعله محطة بارزة في هذه السوق التي يستقطب من خلالها الزبائن بأسعار تنافسية وبروح متواضعة تجذب النّاس إلى عمله ودكانه.

قد تكون هذه المهنة التي بدأ هذا الرجل الأربعينيّ باكتسابها منذ أن كان يبلغ 11 عاماً، هي مهنة والده كما عائلته التي تُعرف بهذه المصلحة التي لم يمحها الزمن في لبنان، لكنّه يستذكر في الوقت نفسه العم أبو حسين أو محمّد غازي والذي كان معروفاً للغاية بين أحياء طرابلس ومناطقها بأنّه شغوف بهذا العمل قبل أن يتوفى منذ سنة تقريباً، إذ قضى هذا الرجل أكثر من 80 عاماً وهو يعمل في هذه المهنة التي لم يُدرك أنّها ستعود يوماً إلى مجدها بعد لجوء النّاس مرغمين إليها.

الأزمة والغلاء المعيشي

في جولة لـ “لبنان الكبير” في الأسواق الداخلية في طرابلس، أشار بعض التجار إلى أنّ تصليح “بوابير الكاز” بات ضرورياً ومطلوباً، كما أن النّاس تلجأ في الفترة الأخيرة إلى شراء “بوابير” جديدة سعياً الى التخفيف من حدّة الأزمة بعد انقطاع التيّار الكهربائي واكتفاء المعنيين بساعة واحدة فقط (إنْ حصلنا عليها).

وبعد التواصل مع أحد التجار الذي تحدّث خلسة عن هذا الأمر وكأنّه يُخفي سراً لا يُريد أن يجهر به أمام النّاس، وبعد إظهاره بعض الصور لـ”بوابير”، قال: “إنّ البوابير الجديدة تُصنع وتأتي من سوريا، فأنا أوصي بها من هناك وأتجه الى شرائها منهم، أمّا عن التكلفة فهي تصل إلى 50 دولاراً أميركياً وتكلفتها هي أقلّ من ذلك، لكن تحقيق الربح يبقى ضرورياً لأنّه ليس من حقّ التاجر أن يُعلن عن السعر الذي اشترى به البضاعة”.

كلام هذا التاجر نفاه بلال بشكلٍ قاطع، لافتاً إلى أنّ “بوابير الكاز” أنواع ولكلّ منها جودة معيّنة للحفاظ على صحة عملها. وقال: “إنّ إقبال الناس الكثيف على بوابير الكاز فرضية صحيحة، لكن لا صحة للأقوال التي تلفت إلى شرائها من سوريا، إذ تُباع هذه البضاعة بالقطعة في لبنان، وقد تكون من صنع تركيا، روسيا أو السويد، وبحسب خبرتي فإنّ صناعة السويد هي الأفضل ويتراوح سعرها بين 25 دولاراً إلى 50 أو 100 دولار”. وأكد إقبال النّاس على شراء البضاعة بهذه الأسعار ليرتاحوا فعلياً، على الرّغم من مواجهة بعضهم مشكلة إيجاد الكاز أحياناً، لكنّه يتوافر في نهاية المطاف.

أمّا عن “البوابير” القديمة، فقد تصل أسعار تصليحها وفق بلال إلى 100 ألف ليرة، 150 أو 200 ألف “إذا احتاجت إلى إبرة أو جلدة وغيرها من قطع الغيار الرئيسة مثلًا…”.

وإذْ رأى أنّ هذه الأزمة كان “وجهها خيراً عليه”، شدّد على أنّ أسعاره تبقى أقلّ من غيره لا سيما في هذه الأيّام التي باتت تكلف النّاس كلّ ما يملكون ليتمكّنوا من العيش، ما يجعلهم في حاجة دائمة إلى عدم رمي أيّ من ممتلكاتهم أو أغراضهم القديمة منها والحديثة كي يستفيدوا منها في وقت الأزمات، “فالبضائع التي كانت توضع للتباهي بها أمام النّاس باتت أولوية للتدفئة مثلًا، ومن كان يرميها فقد ندم ندماً شديداً عليها”، وفق ما قال لـ”لبنان الكبير”.

شارك المقال