طرابلس: رمضان ضيف عزيز ومال الاغتراب نعمة

إسراء ديب
إسراء ديب

تعجز الأوضاع المعيشية القاسية عن منع الطرابلسيين من الاحتفال بفعاليات شهر رمضان المبارك الذي يحلّ هذا العام في ظروف لا تُعدّ أفضل من العام الماضي. ومع دخول الطرابلسيين في الأجواء الرمضانية ومرور حوالي نصف هذا الشهر بسهولة وبهجة، تعمّ الاحتفالات وتملأ الزينة الطرقات مع “فوح” رائحة رمضانية مميّزة من كلّ زاوية ومكان حتّى في أفقر الأحياء وأكثرها حاجة إلى المساعدة والدعم.

ومهما بلغت درجة صعوبة الأحوال الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد وعاصمة الشمال، فالطرابلسيون غير مستعدين للتخلّي عن الطقوس الرمضانية التي اعتادوا عليها على الرّغم من تخوف الكثير من الأهالي من الغلاء المعيشي الذي يفرض أمراً واقعاً كان ولا يزال مقلقاً، لكن وفق العديد من الطرابلسيين فإنّ المغتربين الذين أنعشوا طرابلس العام الماضي بمساعداتهم وأموالهم التي أغرقت الأسواق والمحال، سيستمرّون هذا العام في مساندتهم لأهاليهم أو مناطقهم التي ينتمون إليها، وهذا ما تُؤكّده عائلات عدّة في المدينة شهدت على تدخل هذه المساعدات في الأزمات، الأمر الذي لم يدفعها إلى الشعور بالغربة أو الشدّة في هذا الشهر الذي يفرض غلاءَ معيشياً غير مسبوق طيلة العام.

في الواقع، وعلى الرّغم من المساعدات التي تكاد لا تكفي البعض لشراء الحاجيات الرئيسة، لا يُمكن إغفال الأسعار المرتفعة التي تشهدها الأسواق في هذا الشهر تحديداً، وذلك بسبب اعتماد التجار فيه منذ أعوام على هذه الاستراتيجية التي تُعدّ “قاتلة” مع شدّة الأزمات، ما يمنع الكثير من المؤمنين من شراء الكثير من المكوّنات الرئيسة على مائدة الصائمين. فعلى الرّغم من اعتماد طبق “الفتوش” وجبة رئيسة في هذا الشهر، حرم الكثير من العائلات منه بسبب غلاء الخضار والمكوّنات الأساسية التي يعتمد عليها في السفرة الرمضانية.

وفي جولة لـ “لبنان الكبير” في الأسواق الشعبية، اتضح أنّ سعر باقة البقدونس يتراوح بين 8 آلاف و10 آلاف ليرة، الخس (20 إلى 25 ألفاً)، النعنع (5 آلاف)، البقلة (10 آلاف)، الزعتر (10 آلاف)، الروكا (10 آلاف)… وهي أسعار لا يتمكّن الكثير من النّاس من دفعها وتحمّلها، خاصّة وأنّ التكاليف التي يتكبّدها المواطن يومياً باهظة للغاية، فإذا كان سعر علبة الشوربة (ماجي) يتراوح بين 75 و80 ألف ليرة، أو سعر الحمّص (لإعداد الفتة وهي رئيسة في مائدة الطرابلسية) حوالي 32 ألفاً، كيلو الدجاج بـ 65 ألفاً، كيلو لحم البقر بين 200 إلى 250 ألفاً، مع ارتفاع أسعار الزيت حسب كمّيته (4 ليتر بـ 335 ألفاً، 5 ليترات 430 أو 435 ألفاً، 8 ليترات يصل إلى 635 أو 700 ألف)، الجبنة القشقوان الوقية بـ 40 ألفاً، أمّا الكيلو فيصل سعره إلى 200 ألف، اللبنة تصل إلى 80 ألفاً (نظيفة)، أمّا إذا كانت مغشوشة فقد يبدأ سعرها من 17 ألفاً وما فوق، كرتونة البيض يتراوح سعرها بين 80 و120 ألفاً، علبة المربى الصغيرة 25 ألفاً، كيلو الشاي لا يقلّ سعره عن 240 ألفاً (فلت)، كيلو القهوة بـ 200 ألف، ربطة الخبز الصغيرة بـ 8 آلاف، والكبيرة بـ 14 ألفاً. أمّا عن العصائر فيُعدّ الخروب (خرنوب) من أشهر العصائر الرمضانية المتداولة ويصل سعر الكيس إلى 20 ألفاً (إذا كان بجودة جيّدة) أو 10 آلاف إذا خلط بالمياه… ما يعني أنّ الصائمين يعيشون في أزمة خانقة في حال عدم تلقيهم مساعدات خارجية “حرزانة”.

ويصف أحد المراجع الشعبية في المدينة الوضع بـ “الكارثي”، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “لا بدّ للمواطن من أن يتقاضى ما يُقارب الـ 12 مليون ليرة شهرياً وأكثر إذا كان يُريد أن يعيش في هذه البلاد (على قدّه)، ففي اليوم الواحد يدفع المواطن أكثر من 700 ألف، مع المسؤوليات التي يتحمّلها من إيجار المنزل، نقليات، ثمن الاشتراكات وغيرها، وهي تُعاني من فوضى بسبب عدم توحيد الأسعار وانعدام الروح الانسانية في قلوب الكثير من الأشخاص”. واعتبر أنّ “المواطن إذا حمل 400 ألف ليرة في يده، تذهب ثمن فطور بوجبة واحدة (على القدّ) أيضاً”.

المغترب المنقذ

ناجي د. مغترب طرابلسي يعيش في أستراليا منذ أكثر من 30 عاماً، يُؤكّد لـ “لبنان الكبير” أنّه كان يدعم أخيه (الذي يعيش في منطقة شعبية) مالياً بشكلٍ شهريّ بمبلغ يتراوح بين 100 و200 دولار أميركيّ، أمّا في شهر رمضان وفي ظلّ الأزمة المعيشية الخانقة، فقد ضاعف المبلغ الذي يُقدّمه كيّ يتوافق مع النفقات التي يُنفقها أخوه يومياً، وقد يصل المبلغ الذي يُقدّمه شهرياً إلى 500 دولار.

أمّا أحمد ث. وهو مغترب طرابلسي يعيش في كندا، فيُنفق على والدته منذ أكثر من 20 عاماً، وهي سيّدة تُعاني أمراضاً مزمنة لا يستطيع أبناؤها الذين يعيشون في لبنان تحمّل كلفة علاجها، وهو يدفع شهرياً أكثر من 600 دولار أميركي ثمن أدويتها، أمّا في شهر رمضان فهو يُرسل ما يُقارب الـ 900 دولار كيّ يتمكن من مساعدة عائلته التي تُقيم في المنية (وهم أكثر من 5 أفراد) كيّ لا يحتاجوا إلى أحد، وفق ما يقول لـ “لبنان الكبير”.

شارك المقال