لا غاز في جهنم

نور فياض
نور فياض

عاشت المنطقة صراعات واضطرابات وأزمات عدة لم يتأثّر بها لبنان الذي كان ينعم بالهدوء النسبي، الى أن حلّت عليه لعنة الانهيار الاقتصادي المترافقة مع التوترات السياسية لتفتك بالمواطن الذي بات يلتقط آخر أنفاسه.

يعيش اللبناني نمط حياة مختلفاً عن السابق لتختلف معه أيضاً مفردات كلماته فتصبح ما هو سعر الدولار الآن؟ كم أصبح سعر السلعة اليوم، البارحة كانت أرخص… ومؤخراً تصدرت قارورة الغاز محور اهتمامه اذ أصبحت أرستقراطية ملكيّة. انها ليست قارورة غاز وحسب، بل كنز ثمين غير متوافر الا عند القلة واستعمالها بات محصوراً بالحالات الطارئة.

يختلف سعر “الجرة” الأرستقراطية بين يوم وآخر، فأيام الزمن الجميل ولّت وعادة نسيان ابريق الشاي على الغاز ولّت أيضاً، اما التبذير فيه فجريمة لا تغتفر. أيام الترّف كان سعرها لا يتخطى الـ٢٠ ألف ليرة، اما اليوم في ظل ارتفاع الدولار وفلتان الرقابة فأصبح سعرها يقارب الـ ٤٧٠ ألفاً وقابل للتغيير والارتفاع.

يوميات لبنانية جحيمية، عنوان المرحلة المقبلة.

غلاء فاحش في كل الأصناف والمواد والمحروقات اضافة الى غياب شبه تام للكهرباء، وهذه العوامل نقلت اللبناني الى الزمن البدائي حيث لا وجود الا للطبيعة ومحتوياتها.

“تخليت عن الغاز ولجأت الى الحطب، لقد تحوّلت الى انسان الزمن القديم”، بهذه العبارات تصف ربّة المنزل أحلام وضعها الاجتماعي السيء، وتقول لـ”لبنان الكبير”: “نعيش أسوأ أيام حياتنا، عاصرنا حقبات عدة من حروب خارجية وحتى داخلية وكلها أرحم بكثير مما نعيشه اليوم، فالذل يطاردنا والسياسيون لا يأبهون لحياة المواطن الذي انتخبهم، فقّرونا، ذلونا وكفّرونا.”

ويقول أبو حسن: “ما أتقاضاه لا يساوي ثمن قنينة غاز واشتراك، لذلك تخليت عن الغاز وأصبحت كل يوم أجمع الحطب من الطبيعة لأعد المناقيش والخبز”، ويضحك بسخرية مردداً: “لا فرق بيني وبين الانسان القديم”.

ويضيف: “كي نحافظ على استمراريتنا في العيش علينا اللجوء الى الوسائل القديمة، كل شيء غال ولا قدرة لدينا على إشباع رغبات الناس الذين كانوا يتوافدون بكثرة لشراء المناقيش والمرقوق، ولكي لا أتوقف عن خبزها وأرفع الأسعار لأن معظم الناس يعانون من صعوبة في شراء الطعام، نقلت الطابونة الى الطبيعة حيث الحطب متوافر بكثرة حتى الآن وبذلك أكون قد حافظت على الزبائن. لا نستطيع أن نتناسى كلفة الخبز والمناقيش ولكن مع توفير كلفة الغاز أتمكن من عدم زيادة أسعار الخبز.”

على عكس ذلك، يعاني أصحاب الافران من صعوبات عدة، لجأوا بسببها الى رفع أسعار المناقيش التي كانت الترويقة الشهيرة والسريعة للمواطن. فتحضير العجينة بات يحتاج الى ثروة.

في السياق، يؤكّد صاحب فرن في الجنوب “أننا كنا نعاني في الأشهر الماضية من أزمة طحين بسبب حرب روسيا – أوكرانيا تزامنت مع الارتفاع الفظيع للدولار آنذاك، اما اليوم فتوالت الأزمات وخاصة أزمة المحروقات بحيث يعتبر الغاز والمازوت في مصلحتنا حاجة أساسية، في حضورهما نخبز، وفي غيابهما نغلق أبوابنا.”

ويتابع: “كانت منقوشة الزعتر وجبة الفقير والجبنة للطبقة المتوسطة، اما اليوم فهذا الفقير ليس بمقدوره شراء منقوشة الزعتر والجبنة أصبحت حلماً صعب المنال.”

الصعوبات المعيشية حوّلت اللبناني الى انسان بدائي، يلجأ الى الأرض لزراعة النبتات الرخيصة، ويستعمل الحطب للطهو توفيراً للغاز، وصارت حياته “لا تهزو واقف ع شوار” لا تتوافر فيها أدنى مقومات العيش الكريم حتى الخبز الذي كان محرّك الثورات يتمّ الغاؤه تدريجياً، فهل سيثور اللبناني على أوضاعه أم سيبقى مخدراً وتصبح مقولة “تخبزوا بالأفراح” عنوان المرحلة المقبلة؟ لا نستطيع التكهّن بالاجابة لكن الأمر الوحيد المؤكّد أن خطوة واحدة تفصلنا عن نعي لبنان اذا لم يتحرك أبناؤه لإنقاذ ما تبقى منه.

شارك المقال