طرابلسيون يتساءلون: متى تعود البهجة والمهرجانات إلى الفيحاء؟

إسراء ديب
إسراء ديب

خرجت مدينة طرابلس من أجواء الاستحقاق الانتخابي وهي مفعمة بالحزن ومثقلة بالأزمات المعيشية التي عاد إليها معظم من أدلى بصوته لقاء بدل مالي زهيد لا يليق بمستوى الظروف الاقتصادية والغلاء المعيشي الفاحش الذي بات يضرب المواطنين ويكبّل نشاطاتهم وحركتهم المقيدّة أصلًا بحدود وضعتها وفرضتها الدولة بحكوماتها المتعاقبة على الفيحاء التي لم تذق طعم الفرح منذ أعوام لا سيما مع بداية الأزمة المالية والسياسية التي ظهرت جلّيًا منذ عام 2019 وهي مستمرّة حتّى هذه اللحظة بتطوّراتها وانعكاساتها.

وفي وقتٍ بات يسأل فيه فقراء المدينة عن الطعام والشراب والمأوى بعيدًا عن فرضية بقائهم في الشارع، والأزمة المعيشية بارتفاع سعر صرف الدولار بشكلٍ جنونيّ وغير متوقّع مع استغلال التجار للظروف القاسية، يسأل طرابلسيون آخرون عن كيفية عودة الفرح والبهجة إلى هذه المدينة التي عاشت تعاسة “لا مثيل لها” هذا العام، خاصّة بعد غرق الزورق الذي فُقد بسببه أكثر من 30 شخصًا على عمق 470 مترًا من دون تدخل سريع وعاجل من الدّولة التي أقلّ ما يُقال عن تحرّكها لانتشال الضحايا بأنّه “مخزٍ” وهو “عار” على أيّ دولة لا تقوم بواجباتها أمام ضميرها ومواطنيها.

في الواقع، إنّ تركيز الطرابلسيين على ضرورة إدخال البهجة والسرور إلى قلب المدينة، وتحديدًا إلى معرضها الدّولي أيّ معرض رشيد كرامي من خلال إقامة مهرجانات أو احتفالات جديدة، لم تأت من فراغ، بل جاءت بعد غصّة شعر بعضهم بها عقب توجيه وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمّد وسام المرتضى كلمة، لمناسبة “استئناف نشاطات مهرجانات بعلبك الدولية للعام 2022″، قائلًا: “بنروح كتير وبنغيب كتير وبنرجع ع دراج بعلبك”.

وأثار هذا النداء “الروتيني” لوزير الثقافة (إلى إقامة مهرجانات اعتادت عليها منطقة لبنانية تُعنى بهذه النشاطات نظرًا لارتباط المكان بآثار تاريخية ورموز فنية التصقت باستراتيجية سياحية منذ قرون)، جدلًا بين عدد من أبناء طرابلس الذين تساءلوا عن الدور الذي باتت تلعبه كلّ من وزارتيّ الثقافة والسياحة لإحياء معالم السياحة في طرابلس، بدلًا من التركيز على المدينة في أوقات الشدّة فحسب، أيّ في وقتٍ يسمح لهم بإطلاق تهم مختلفة تُريحهم من إنمائها وتطويرها، وذلك من خلال التركيز على أخبار مرتبطة بالإرهاب أو المشاكل الأمنية، العسكرية، والاقتصادية، وهو ما تُساهم في نشره وسائل الإعلام اللبنانية أيضًا.

قد يرى بعض الطرابلسيين أنّ إقامة المهرجانات أخيرًا، ستكون كلفتها باهظة في وقت يكاد يكون لبنان أقرب إلى الإفلاس، لكن آخرين يُؤكّدون أنّ “السياسيين الذين قاموا بدفع أموال باهظة لدفع رشى انتخابية بالفريش دولار، وقيام آخرين منهم بتوزيع الأسلحة ودعم الفتنة والقتل بين الأحياء والمناطق، لن يكون المهرجان صعبًا عليهم لا ماديًا ولا استراتيجيًا”، فيما يرى آخرون أنّ كلفة دخول المواطن إلى هذه القاعات أو المسارح، أصبحت خارجة عن قدرتهم ولا يراها أنّها من ضمن أولياته في ظلّ انشغاله بهموم أخرى.

في الواقع، تعجز طرابلس عن تحدّي الظروف السياسية والاقتصادية وحدها بلا عون أو سند، وبالتالي فإنّ عشرات الحفلات التي كان يُمكن أن تُحييها، تكون في منافسة واضحة ومباشرة مع عشرات الأزمات والأحداث التي تجعلها فريسة لكلّ من سوّلت له نفسه إثارة الفتن السياسية بين شعبٍ لا يخشى من الموسيقى بقدر ما يخشى على مصيره الذي كتب له الفشل.

وكانت أقيمت مهرجانات طرابلس الدولية عام 2019، إذْ كانت هذه الفعاليات المبهجة هي آخر فعالية “فنية” مرتبطة بالموسيقى في معرض رشيد كرامي الدولي، وهو مهرجان رعاه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ممثلا بأمين عام “تيار المستقبل” أحمد الحريري، وحضره فاعليات سياسية، دينية، عسكرية، أمنية، اجتماعية وتربوية ورؤساء بلدية طرابلس والميناء وعدد من نقباء المهن الحرة، إضافة إلى حشد من الشخصيات السياسية، الاجتماعية، الإعلامية، الفنية والثقافية، وهي كانت المرّة الأخيرة تحدّت طرابلس الواقع المزري الذي تُعاني منه، لكن منذ ذلك الوقت اقتصرت الاحتفالات على احتفالات سينمائية أو ثقافية لا يرتقي جميعها ماديًا أو معنويًا لتمثيل طرابلس وأبنائها بالشكل المطلوب ولم تُحدث “بصمة” وطنية أو طرابلسية واضحة.

وعلى الرّغم من تمتّع معرض رشيد كرامي الدّولي بمميزات وخصائص سياحية فاعلة مرتبطة بموقعه الجغرافي وتصميماته المتطوّرة والجاذبة، لا يزال “مهجورًا” في أكثر المواسم نشاطًا سياحيًا وتجاريًا، مما يدفع إلى طرح المزيد من التساؤلات عن السبب الذي يدفع هكذا معلم ثقافي، سياحي، ودولي إلى الاستمرار في حالٍ من الشلل الجزئي بعيدًا عن الأضواء، الزينة والموسيقى التي قد تُساهم في رفع معنويات مواطنين شماليين أرهقتهم الشدّة التي يعيشون تحت وطأتها منذ أعوام.

شارك المقال