المرأة معنّفة وضحية… والدولة متقاعسة عن حمايتها

جنى غلاييني

عادت موجة جرائم العنف ضد النساء على امتداد البلاد، الى الواجهة بوتيرة أعلى خلال السنتين الأخيرتين، وسجّل عام 2020 العدد الأكبر من حالات قتل النساء وحالات العنف الأسري المُبلّغ عنها، والزوج هو القاتل في معظم الجرائم، يليه الوالد والأخ. نساء لطالما صرخن مراراً وتكراراً طلباً للنجدة من الدولة التي في كل مرّة “تدير دينتها الطرشة”!، فيما نلمس تعاطفاً كبيراً من الجمعيات والأفراد تجاههن، الا أنه معنوي لا يقدم ولا يؤخر في المسألة بشيء، باستثناء محاولة الضغط على الجهات المعنية للنيل من المجرم بأقسى درجات العقاب، وهذا يستدعي ترجمة على أرض الواقع بأن تتحرك الدولة الغائبة والمتقاعسة عن عملها في حماية النساء وتنشط القوانين الخاصة بالمرأة والتي تعيد الاعتبار اليها.

وكما كل مرة ولدى وقوع أي حادثة من هذا النوع، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بقضية تهاني حرب (29 سنة) التي تعرضت ليل الاثنين 20 حزيران لمحاولة قتل على يد زوجها محمد قمر الذي ضربها بطريقة وحشية، فنقلها أهله فوراً إلى مستشفى بلدة سحمر في البقاع الغربي، بعدما اتصلت ابنتها فاطمة بجدها. ونتج عن الضرب المبرح الذي تلقته تهاني ضلوع مكسورة في معظم جسدها ونزيف حاد في بطنها بسبب تمزقات حادة ومتعددة في الطحال حيث أجريت لها عملية جراحية لاستئصاله ووقف النزيف.

ماذا عن قضية فاطمة فؤاد؟ الصحافية اللبنانية التي روت عبر صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي تفاصيل صادمة عن تعرضها لحادثة اغتصاب خلال حفل موسيقي بمناسبة رأس السنة 2019 – 2020 في بيروت من قبل الفنان الأردني الفلسطيني ب. س والفنانة المصرية آ.م اللذين قدما عروضاً في الحفل الذي أقيم في مكتبة “برزخ” في شارع الحمراء، وشاركا في عملية اغتصابها بعد أن قاما بتخديرها!

عواضة: اجراءات عقابية والغاء السلطة الأبوية

عن هذا الموضوع تبدأ المحامية ليلى عواضة من منظمة “كفى” حديثها لـ”لبنان الكبير” بالتأكيد أنه “لا يوجد تعتيم على حالات العنف ضد نساء لبنان بل هناك تفاعل وتعاطف مع الحالات، لكن السلطة بذاتها هي الغائبة والمتقاعسة عن عملها في حماية النساء، وأساس حملة جمعية كفى هو القانون الموحد للأحوال الشخصية وانطلقنا من ناحية أنّ أعمال العنف على النساء لن تتوقف طالما لدينا نظام أبوي في الأحوال الشخصية يعطي الرجل الإحساس بالسلطة على حياة النساء، معتبراً أن له الحق في تقرير مصيرهن وبالتالي يمارس العنف من هذا الرجل كصاحب سلطة وصاحب حق على المرأة بأن تطيعه، لذا أصبح من الضروري تغيير هذه القوانين لكي يتغير واقع النساء في الأسرة ويتغير معه توازن العلاقات داخل الأسرة”.

وتشدد على أن “الحل يكون أولاً في جزء أساس بتغيير موازين القوى داخل الأسرة وأن تلغى السلطة الأبوية، ثانياً أن تكون لدينا آليات حماية واجراءات عقابية رادعة”.

وتلفت عواضة الى “وجود بطء كبير في التحرك القانوني والاستجابة، وكما أصبح الجميع على دراية بحالة تهاني حرب التي تعرّضت الى عنف منزلي شديد من زوجها كادت يتسبب بموتها لكنها نجت بأعجوبة، وحتى الآن زوجها لم يتم توقيفه بعد. لذا هناك بطء شديد في المحاكم المتعلقة بقضايا التعنيف ضد المرأة، وعلى سبيل المثال قضية رولا يعقوب التي قتلت على يد زوجها في العام 2013 صدر الحكم النهائي فيها في سنة 2022، وهذا دليل على استخفاف واستهتار الدولة اللبنانية التي لا تزال لا تأخذ العنف ضد المرأة على محمل الجد”.

وتضيف: “الوعي الاجتماعي سبق القرارات والتشريعات، أي أن وعي الناس على مواقع التواصل الاجتماعي هو من يظهر مدى أهمية الموضوع الذي تهمله الدولة مع وجود تقاعس من السلطة التشريعية في ايجاد قوانين مثل القانون الموحد للأحوال الشخصية الذي يعيد الاعتبار الى المرأة داخل الأسرة كفرد مستقل لا وجود لوصاية عليها من الرجل، وهو لا يملك السلطة عليها، كما هناك تقاعس في الدور التنفيذي للقوانين بمعنى ملاحقة الجرائم والعقوبات الرادعة التي تكون بطيئة التنفيذ. وللأسف طالما نحن في انهيار لمؤسسات الدولة حالياً فسيصبح هناك انهيار للأمن الشخصي، وبالتالي إذا تعرض الأمن الشخصي الى التهديد عموماً فأول فئة تهدد بصورة أكبر هي النساء لأنّ الفئات المهمشة هي من تتعرض للتهديد أولاً”.

وعن دور الجمعيات وقدرتها على مساعدة المرأة المعنّفة، تقول: “إنّ الجمعيات والمنظمات التي تعنى بالدفاع عن المرأة تسد فجوة الدولة في هذا الموضوع، ودورها أن تسلط الضوء وتطالب بالتحرك في القضايا التي تعنى بالنساء، لذا أصبح دور الجمعيات في ظل غياب الدولة العمل على تأمين إطار آمن للنساء، لكن هذه الجمعيات وبأكبر قدراتها وإمكاناتها لا تستطيع أن تحل محل الدولة وأن تغطي معظم عملها في هذا الشأن”.

وتشير الى “أننا لو أردنا أن نصنّف بلداً ما إذا كان ذكورياً أم لا فيجب أن ننظر في قوانين هذا البلد لأنها الأساس وهي التي تضعها الدولة ومنها يمكن أن نرى كيف تنظر الدولة الى النساء. وفي لبنان إذا نظرنا الى قانون الأحوال الشخصية وفي سجلات النفوس واطلعنا على القوانين الطائفية التي تحكم علاقات الأسرة نرى أنّ المرأة اللبنانية في نظر الدولة وفي نظر قوانين الأحوال الشخصية الطائفية هي مجرّد تابع لسلطة الرجل في العائلة وليس لها أي دور والمطلوب منها طاعة الرجل فقط”، مؤكدة أن “المجتمع اللبناني ذكوري بامتياز مع وجود قوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي تكرّس موقع تبعية المرأة للرجل، والدولة اللبنانية لا تنظر الى المرأة كفرد مستقل بل كإبنة فلان أو زوجة فلان”.

شارك المقال