جفاف حاد يضرب العالم… وتخوّف من المستقبل

تالا الحريري

الصيف هذه السنة مر بصورة قاسية على جميع دول العالم العربية منها والأوروبية، لكن الأخيرة كانت أكثرها تضرراً إذ خسر مئات المواطنين حياتهم نتيجة درجات الحرارة المرتفعة التي جاءت كحريق ساخن على أجسادهم. هذه الموجة الحارة أشبه بكارثة أدّت إلى جفاف أعداد كبيرة من الأنهار والبحيرات… والقادم يُنذر بالأسوأ.

موجة الجفاف الحالية التي ضربت أوروبا قد تكون الأسوأ منذ 500 عام بحسب مركز البحوث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية (EC-JRC) الذي توقع أن يتفاقم الجفاف الشديد في أوروبا بحيث من المحتمل أن يصل إلى نصف القارة بالكامل، ولن يتوقف قريباً.

تغير المناخ سببه الانسان

وفي دراسة أجرتها مجلة Science في العام 2020، لاحظ الباحثون أن تغير المناخ الذي يُسبِّبه الإنسان نتيجة التلوث وغيره من النشاطات التي تؤثر على الغلاف الجوي، يساهم في الجفاف الضخم الحاصل بالفعل في القرن الحادي والعشرين في غرب الولايات المتحدة وشمال المكسيك.

ويُشير التقرير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إلى أن أحداث الجفاف البيئي والزراعي المتطرفة التي كانت تحدث مرة كل 10 سنوات أصبحت الآن أكثر احتمالية بمقدار 1.7 مرة مما كانت عليه في الفترة بين العامين 1850-1900، وأنّه مقابل كل ارتفاع بمقدار نصف درجة مئوية في درجة حرارة الغلاف الجوي، ستحدث زيادات ملحوظة في نسب الجفاف عالمياً، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية.

تخوّف من جفاف تام في المستقبل

في هذا السياق، يتخوّف العلماء من المستقبل اذ أنّ هذا الجفاف سيكون أكثر حدّة في الأيام المقبلة. وكانت “ناسا” قد حذّرت من مستقبل شبيه، حينما أشارت إلى أن احتمالية حدوث موجات جفاف كبيرة سترتفع من نسبة 12% حالياً إلى أكثر من 60% بحلول نهاية القرن وستدوم الواحدة منها 10 سنوات أو أكثر.

إكتشاف آثار ومعالم بعد الجفاف

ومع استمرار هذا الجفاف الحاد، بدأت تظهر معالم كثيرة كانت مخفية والتي أثارت جدلاً واسعاً لدى السكان. وأكثر ما لقي تفاعلاً هو أحجار الجوع في ألمانيا وآثار ديناصورات في قاع نهر في ولاية تكساس الأميركية.

أحجار الجوع المتواجدة على طول نهر الراين، يحمل بعضها تواريخ وأحرف أولى من أسماء بعض الأشخاص، وينظر البعض إلى ظهورها مرة أخرى على أنه تحذير وتذكير بالمصاعب التي واجهها الناس خلال فترات الجفاف السابقة. وتشمل التواريخ التي شوهدت على أحجار في فورمس وجنوب فرانكفورت ورايندورف وقرب ليفركوزن أعوام 1947 و1959 و2003 و2018. ويُذكر أنّ منسوب نهر الراين الذي يمر عبر سويسرا وفرنسا وألمانيا وهولندا قد انخفض.

أمّا آثار أقدام الديناصورات فظهرت بعد جفاف أحد الأنهار في تكساس وتعود الى ديناصورات عاشت قبل نحو 113 مليون سنة، وكانت هذه الآثار العميقة مطمورة سابقاً ومليئة بالرواسب ومغمورة بالماء، مما ساهم في حفظها.

معظم الآثار التي اكتُشفت مؤخراً في مواقع مختلفة من النهر تعود إلى ديناصور من نوع أكروكانثوصور، وهو من وحشيات الأرجل ويمكن أن يبلغ طوله 5 أمتار ووزنه 7 أطنان. وتعود آثار أخرى إلى ديناصورات من نوع سوروبوسيدون التي يمكن أن يصل طولها برقبتها الطويلة إلى 18 متراً ووزنها إلى 44 طناً عند بلوغها.

وليس هذا فقط، فإنخفاض نهر الدانوب وهو أحد الأنهار الكبيرة الأخرى في أوروبا كشف عن هياكل أكثر من 20 سفينة حربية لألمانيا في زمن النازية، والتي غرقت خلال الحرب العالمية الثانية بالقرب من ميناء براهوفو الصربي. وهذه السفن في الأساس لا تزال تعوق حركة المرور في النهر أثناء انخفاض مستويات المياه.

فيما تم اكتشاف قنبلة ترجع الى الحرب العالمية الثانية وتزن 450 كيلوغراماً مغمورة في المياه المنخفضة لأطول نهر في إيطاليا. تم إجلاء حوالي 3000 شخص يعيشون بالقرب من قرية بورجو فيرجيليو الشمالية، القريبة من مدينة مانتوا، بينما قام خبراء عسكريون بإبطال مفعول القنبلة، التي صنعتها الولايات المتحدة.

إلى جانب ذلك، يشار إلى أنّ نهر اللوار داخل فرنسا، الأطول في البلاد، ينبع في إقليم الأرديش في جنوبي شرق جبل لوماسيف سنترال ويصب في خليج غاسكونيا في المحيط الأطلسي غربي البلاد، أُضيف الجزء الأوسط من واديه إلى قائمة مواقع التراث العالمي لـ “اليونسكو” قبل نحو ربع قرن، وهي المنطقة التي تتميز بانتشار كروم العنب وقصور شهيرة بُنيت في عصر النهضة، أكسبت النهر اسمه الشهير النهر الملكي. لكن هذا النهر الملكي يعاني من جفاف تام بعد هذه الموجة ما أثار رعب الكثيرين بحيث يتمكَّن الناس حالياً، في بعض المناطق، من عبور النهر الكبير سيراً على أقدامهم.

شارك المقال