الفقر في لبنان… متعدد الأبعاد ويتوسع ليطال نصف السكان

تالا الحريري

لبنان يتجه منذ سنوات إلى الأسوأ، نتيجة حكم الطبقة الفاسدة التي لا تزال موجودة منذ 30 سنة حتى الوقت الحالي. كل الأزمات التي يعيشها اللبناني اليوم تتكرر منذ التسعينيات، وكل مرة تأتي في حلة أسوأ من التي قبلها مع ازدياد جشع الحكام وتعطشهم الى الفساد والسرقة، حتى أصبح لبنان متصدراً قائمة الأزمات بين الدول وأتعسها.

الفقر في لبنان تفاقم إلى حد هائل بحيث أن نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المتعدد الأبعاد قد تضاعفت تقريباً بين العامين 2019 و2021 من 42% إلى 82%، بحسب تقرير سابق لـ “الاسكوا”، أوضح أن الفقر المتعدد الأبعاد يُقاس بقياس الحرمان في ستة أبعاد أساسية، هي: التعليم، الصحة، الخدمات العامة، المسكن، الأصول والممتلكات، والعمل والدخل.

وتبيّن وجود مليون أسرة فقيرة موزعة بالتفصيل على الشكل الآتي: عكار 76 ألف أسرة، شمال لبنان 137 ألف أسرة، بعلبك – الهرمل 57 ألف أسرة، البقاع 69 ألف أسرة، جبل لبنان 382 ألف أسرة، بيروت 63 ألف أسرة، النبطية 88 ألف أسرة و128 ألف أسرة في جنوب لبنان كلّها تقع تحت خط الفقر.

وأعلن مسؤول الشؤون الاقتصادية في “الاسكوا” خالد أبو اسماعيل في حديث قبل أيام، أن المنظمة أجرت تقريراً العام الماضي عن نسبة الفقر وتبين أن أكثر من ستين في المئة من السكان هم تحت خط الفقر، مشيراً الى أن “هناك صعوبة كبيرة في اجراء تقارير عن نسبة الفقر نظراً الى الشح في البيانات والتغيرات الكبيرة التي تطرأ على الساحة اللبنانية، لذلك لا يوجد أي رقم دقيق اليوم”.

ورأى أن “الوضع يدعو الى القلق الشديد علماً أن شريحة كبيرة من الناس تصلها تحويلات من الخارج، إلا أن هذه الفرصة ليست متوفرة لدى الجميع ومن المتوقع أن تكون نسبة اللامساواة قد ازدادت”، معتبراً أن “هناك الكثير من المبادرات التي يمكن البدء بها في لبنان ولكنها تحتاج الى ثبات اقتصادي وسياسي وحكومي”.

يعود إرتفاع نسبة الفقر إلى أسباب عديدة: أولها وأهمها اليوم الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان منذ العام 2019 والتي فاقمت أزمات المعيشة ورفعت أسعار كل الأساسيات والكماليات وكل ما هو المواطن بأمس الحاجة إليه، لتنعدم الطبقة الوسطى ونبقى بين طبقة عليا وطبقة دنيا.

في حين يعتبر إنحدار الطبقة الوسطى مخيفاً لأنّها الركيزة الأهم من غيرها من الطبقات الأخرى، وهي الطبقة التي تمثل التوازن في المجتمعات المعاصرة من حيث أثرها وأهميتها في المجتمع بحكم قدرتها على الحراك الاقتصادي، تعتبر قاعدة مهمة للتنمية والتقدم، كما أنّها تعتبر العامل المهم والمحرك الأساس لحركة السوق ونشاطها الاستهلاكي واستقرارها، وتمثل الأمان المجتمعي، عند التحولات والتغيرات التي تحدث، سواء بسبب الظروف السياسية أو الاقتصادية، ولذلك من أهم المخاطر التي تواجه الطبقة الوسطى منذ عدة عقود، التوقع بانحسارها أو انهيارها.

ثاني الأسباب هو الازمات السياسية والاقليمية والدولية التي تؤثر بشكل أو بآخر على لبنان والتنازعات القائمة بين السياسيين الذين يسعون إلى تحقيق مصالحهم على حساب البلد والمواطن.

السبب الثالث، حسب احصاءات الامم المتحدة، ازدياد نسبة النازحين السوريين إلى لبنان زاد من حدّة الازمة إذ باتوا يشكلون 40% من سكان البلاد.

ولا يمكن نسيان أن معدلات البطالة المرتفعة هي التي زادت أيضاً من نسبة الفقر والعائلات الفقيرة. فلا يكفي أن يعمل فرد واحد في عائلة كبيرة مثلاً، وبالأرقام بلغ معدل بطالة النساء 32.7٪ مقارنة بمعدل الرجال 28.4%، في حين بلغ معدل الشباب 47.8% أي ضعف معدل البالغين 25.6%. وكان صندوق النقد الدولي حذّر سابقاً من الاتجاه نحو مزيد من الزيادات الكبيرة في معدلات الفقر والتي أصبحت مصدر قلق كبير في لبنان.

وحالياً لم يعد مفهوم الفقر يقتصر على الدخل وحسب، بل اتّسع لينسحب على جميع أوجه الظروف المعيشية وأنواع مختلفة من الحرمان. ونظراً إلى أنّ جميع شرائح المجتمع أصبحت تعاني على حد سواء من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد أصبحت نسبة الفقراء من ذوي أعلى درجات التحصيل العلمي تقارب نسبة الفقراء من ذوي أدنى الدرجات. كما أنّ نسبة الأسر المحرومة من الرعاية الصحية ارتفعت إلى 33%، ونسبة الأسر غير القادرة على الحصول على الدواء إلى أكثر من النصف.

وفي إطار احصاءات “الاسكوا”، جدّدت الأمينة التنفيذية للمنظمة رولا دشتي الدعوة إلى إنشاء صندوق وطني للتضامن الاجتماعي للتخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية، تحت إطار أهمية التضامن والتعاون بين جميع مكوّنات المجتمع اللبناني للحد من تداعيات الأزمة، وإلى وضع خطط فعّالة للحماية الاجتماعية تكون أكثر تلبية لاحتياجات الفقراء، وخاصة الذين يعانون من الفقر المدقع المتعدد الأبعاد، وإلى توسيع نطاقها لتشمل العاطلين عن العمل.

شارك المقال