أزمة المياه في طرابلس لم ترحم الأحياء والأموات!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تنته فصول الأزمة المائية التي تُواجهها مدينة طرابلس منذ أكثر من شهريْن، فعلى الرّغم من الحلول الجزئية التي لا تحلّها من جذورها، إلا أنّ استمرار هذه الكارثة التي حلّت على أبناء المدينة يُنذر بالأسوأ.

وقد وصلت “أنياب” هذه الأزمة لا الى الأحياء فحسب، بل الأموات أيضاً، إذْ اشتكى عدد كبير من القائمين على غسل الموتى من عجزهم عن ذلك لتقتصر العملية على التكفين سريعاً، إذْ يضطّر الكثير منهم إلى جرّ المياه بالقوارير أو نقلها عبر أوعية، الأمر الذي يخلق أزمة كبيرة كان قد أثارها في البداية أبناء محلّة ضهر المغر – القبة الذين رفعوا الصوت عالياً، في إشارة إلى حجم الأزمة التي لا تُحلّ بتوزيع مازوت من جهة، أو “ساعة كهرباء” من جهة ثانية.

ولم ينفع الاجتماع الاستثنائي الذي عقده بعض نواب طرابلس في بداية أيلول الفائت، وكان الهدف منه متابعة أزمة المياه المتفاقمة في المدينة وضواحيها، وحضره كلّ من النواب: أشرف ريفي، طه ناجي، رامي فنج، جميل عبود وممثل النائب ايهاب مطر موسى العش، إضافة الى وفد من مؤسسة مياه الشمال.

ونتج عن الاجتماع حينها تدخل مباشر لم يكن هو الأوّل من نوعه لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي أكّد وضع كلّ “الامكانات المتاحة للوصول إلى الحلول المطروحة في الاجتماع”. وشدد الجميع على إبقاء هذه الاجتماعات مفتوحة تنفيذاً لما تمّ الاتفاق عليه، ويكمن في تأمين التيار الكهربائي لمؤسسة مياه الشمال من “كهرباء لبنان” وسبل تعزيز هذه التغذية “من خلال المحطات الكهرومائية بعد إعادة تأهيلها بصورة سريعة، فضلاً عن تأمين كميات كافية من مادة المازوت عند الضرورة القصوى للحؤول دون انقطاع المياه عن طرابلس”.

وبعد مرور أكثر من شهر على هذا الاجتماع، لم تتحرّك الجهات المعنية بصورة فاعلة لحلّ هذه المعضلة التي باتت تُعرقل أعمال الطرابلسيين الذين لم يتركوا أيّ منصّة تعبيرية أو موقعاً الكترونياً وحتّى تلفزيونياً إلّا وتواصلوا معه، لعرض هذه المشكلة التي لم تجد طريقها نحو الحلّ، على الرّغم من تدخل كبار الدولة والمعنيين فيها، ما يُشير إلى المأساة الكبيرة التي يرزح المواطن تحت وطأتها، لا سيما وأنّ هذا الاجتماع لم يترافق مع اجتماعات أخرى للمعنيين لمناقشة التحرّكات المرتبطة بالحلّ الذي طرح في الاجتماع، الذي عاد وعرض الموضوع عينه في اجتماعهم الأخير في مكتب النائب طه ناجي في طرابلس، أيّ بعد مرور أكثر من شهر على أزمة مستمرّة منذ ما يقارب الشهرين، لكن هذه المرّة لم يكن عرضها عادياً أو روتينياً، بل كان يحمل خطورة بعيدة المدى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوباء الكوليرا الذي سينتشر بصورة واضحة في حال لم يتأمن التيار الكهربائي لضخّ المياه، ما يدفع الناس إلى اللجوء إلى مصادر جديدة للمياه لكنّها تبقى غير موثوقة لا بطريقة تعبئتها ولا بأسلوب توزيعها على المواطنين، حتّى أنّ تلك التي يقوم المواطن بتأمينها بنفسه تبقى غير آمنة أيضاً.

وقد يلجأ الناس إلى شركات لتعبئة المياه لم تستحصل على رخصة آمنة من وزارة الصحة من جهة، أو الى ينابيع أو “سبل” مياه موجودة في طرابلس ومحيطها الشمالي من جهة ثانية، وهي تبقى غير معقّمة ولم تفحص درجة نقاوتها، إضافة إلى مشهد طفح المجاري الذي ينتشر في محيط طرابلس، محدثاً المزيد من التلوّث، ما يُشرّع الأبواب أمام انتشار الكوليرا وبقوّة في الفيحاء.

وكانت طرابلس واجهت في الأشهر القليلة الماضية ظهور حالات مصابة بالتهاب الكبد الفيروسي (اليرقان) بين أطفالها وشبانها في بعض المناطق التي تُعاني من التلوّث الذي لا يقتصر على منطقة دون أخرى، من هنا يربط المعنيون الاصابات بالكوليرا وغيرها أخيراً بموضوع الصرف الصحي ومحطة التكرير في المهجر الصحي بصورة مباشرة والتي يُعدّ “وجودها مثل غيابها”.

وفي السياق، يوضح مصدر من مؤسسة مياه لبنان الشمالي لـ “لبنان الكبير” أنّ المياه التي تؤمّنها الدولة آمنة وهي تخضع لرقابة وفحوصات مستمرّة، فيما يُشير عدد من المواطنين من القبة وأبي سمراء أيضاً إلى عدم ثقتهم بهذه المياه “إنْ وصلت إليهم”، فهي وفق تصريحاتهم “غير مناسبة للطهي أو للشرب، وذلك بسبب العكارة التي تظهر في شكلها ولونها”، الأمر الذي يعزوه المصدر في المؤسسة إلى الصدأ الموجود في الخطّ الذي ينقل المياه أو نظراً الى كونه قديماً.

يُمكن القول إنّ هذه الاجتماعات لم تقتصر على النواب فحسب، بل عقدت اجتماعات عدّة لطرح الحلول ومناقشتها، كالاجتماع بيْن رئيس مؤسسة مياه لبنان الشمالي المدير العام خالد عبيد، ووفد من جمعية “مرعي” للأعمال الخيرية تمّ خلاله التوافق على إيجاد آلية مواءمة عبر تحديد مواعيد شبه تقريبية لتشغيل محطات ضخ المياه بالتزامن مع تشغيل مولدات الاشتراكات ليتمكّن المواطنون من إيصال المياه إلى خزانات المنازل. وكذلك الاجتماع الذي عقد في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال، لمناقشة ملف توفير الطاقة الكهربائية لمنشآت مياه طرابلس، وهي اجتماعات مختلفة لكنّها لم تُثمر نتيجة تُنهي هذه الأزمة التي لم ترحم الأحياء كما الأموات.

شارك المقال