“لبنان يا أخضر حلو”… الشرطة البيئية ضرورة

آية المصري
آية المصري

يعيش المواطن اللبناني أزمات متتالية، ولكل فصل من فصول السنة أزمته المريرة، فكيف الحال بمن يستعد لبدء فصل الشتاء القارس خصوصاً في المناطق الجبلية؟ أزمة المحروقات لا تنتهي، والأوضاع من سيء إلى أسوأ، وصحيح أن “هاشتاغ” الأسبوع كان “لبنان بلد نفطي”، لكن الواقع معاكس لكل هذه الأقاويل الشعبوية.

لبنان بلد نفطي لكنه يجعل المواطن يعيش الأمرين قبل الوصول الى الحل المنشود، اما الحقيقة فهي أن لبنان يتميز بثرواته الطبيعية وأشجاره متعددة الأصناف والتي يمكن اعتبارها الكنز الحقيقي، لكن في ظل ما نعيشه اليوم بدأ يقل عدد هذه الأشجار نتيجة الحرائق المفتعلة وقطعها، فتجار الحطب يضعون نصب أعينهم زيادة نسبة الأرباح خصوصاً مع كثرة الطلب عليه.

والأزمة الحقيقية تنتشر في مختلف المناطق من دون حسيب أو رقيب لهذه المجازر البيئية التي تضبط يومياً، ففي الجنوب تقطع مئات الأشجار، وفي الشوف كذلك، حتى أن بعلبك نالت القسم الأكبر من هذه الكوارث، بحيث قطعة مئات أشجار السنديان في أحراج بلدة العوجا في دير الأحمر، فيما أهالي المنطقة يناشدون يومياً الوزارات المعنية والقوى الأمنية حماية ثرواتهم الطبيعية النادرة. فأين وزارة الزراعة من كل ما يحدث؟ وما حقيقة ما يجري في المناطق كافة؟ وما رأي الخبراء والناشطين البيئيين بهذا الجرم؟

مهنا: قيمة الضبط غير رادعة

مدير التنمية الريفية والثروات الطبيعية في وزارة الزراعة شادي مهنا أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “ظاهرة قطع الأشجار تتكرر في مختلف المناطق لأن الشعب يريد تأمين تدفئته، والمشكلة الكبيرة ليست في هؤلاء الأفراد الصغار الذين يقطعون 3 أطنان من الحطب كي يؤمنوا التدفئة لأسرهم، بل لدى المافيات التي تقطع كميات هائلة من الحطب وتنقلها من منطقة الى أخرى. ولدينا في كل لبنان بين 140 الى 150 عنصراً من مأموري الأحراج الذين يجب أن يكون عددهم 360 كي نتمكن بالقانون من أن يكون لدينا ثمانية عناصر في كل مركز يؤمنون تغطية 24 ساعة طيلة أيام الأسبوع”، موضحاً أن “معظم المخالفات يحدث خارج أوقات الدوام ولا نملك أكثر من ثلاثة عناصر في كل مركز، وهذه المشكلة الكبيرة التي تواجهنا اضافة الى أن قيمة الضبط لم تعد رادعة، فالقانون يقول ان طن الحطب المخالف سعره مليونا ليرة وبالتالي هو سعر زهيد جداً بالمقارنة مع سعر الحطب المباع بـ200 دولار أو أكثر”.

ولفت مهنا الى “المشكلة المزمنة مع القضاء البطيء في البت بمحاضر الضبط، بحيث أن مهمة وزارة الزراعة ومأموري الأحراج تقتصر على كشف المخالفة وتسطير محضر ضبط بحقها وتحويلها الى القضاء، والقاضي هو الذي يحكم فيها، مع العلم أن الأحكام الصادرة بحاجة الى الكثير من الوقت وفي هذه الحالة يفقد محضر الضبط قوته”، شاكراً “قيادة الجيش وضباطها وعناصرها على الجهد الكبير الذي يبذلونه في هذا الموضوع بحيث يدققون على الحواجز بالشاحنات التي تحمل الحطب ومن يثبت عدم إمتلاكه رخصة من وزارة الزراعة يصادرون الحطب ويمنعونه من المرور”.

وأشار الى أن “مواصفات الحصول على هذه التراخيص عدّة منها نوع الأشجار التي نسمح بقطعها، كم تبلغ من العمر، شكل العقار في حال كان هناك إنحدار شديد فيه لا نسمح بالقطع نظراً الى ما يؤدي اليه من إنجراف في التربة. كما أن الاشجار الصمغية التي لا تتكاثر نمنع قطعها أيضاً الا في حالات معينة اذا كان البناء مرخصاً ومالكه لديه هذا الترخيص ويريد البدء بالبناء والأشجار تعترض طريقه، أو اذا كان لدى الدولة أشغال عامة وتريد شق الطرقات وبناء سد أو غيره، وفي حال كان هناك خطر على السلامة العامة مثلاً: شجرة ستقع على المنازل…”.

وشدد مهنا على أن “دور البلديات أساسي جداً وهي العين الساهرة على الأرض، وشرطي البلدية يدرك كل زاوية في بلدته ويسمع صوت المنشار، ولكن مشكلتنا أن هناك الكثير من رؤساء البلديات لا يريدون الدخول في مشكلات مع أبناء بلدتهم بحيث إنقسموا الى قسمين: الحازمون في هذا الموضوع والأقل حزماً”.

قبلان: تعطل ملف مأموري الأحراج

اما الصحافي والناشط البيئي منير قبلان فاعتبر أن “هذا الموضوع ليس بجديد لكنه يتجدد مع بداية كل عام ويشتد خصوصاً في ظل إرتفاع أسعار المحروقات وتحديداً المازوت وعدم قدرة المواطن على شرائه”، مشيراً الى أن “تجار الحطب ينتظرون هذه الأوقات كي تنشط تجارتهم ويلجأون الى مكان تواجد الأشجار في ظل غياب الرقابة وغياب مأموري وحراس الأحراج الذين نجحوا في مجلس الخدمة المدنية وتعطل انخراطهم في وظائفهم بسبب الفكر الطائفي لدى التيار الوطني الحر المتذمر والذي منعهم من ممارسة مهامهم، ولا يزالون حتى هذه اللحظة في منازلهم”.

وقال: “الجمعيات والناشطون البيئيون يقومون بسد فراغ الدولة، لكن لا أتخيل بلدية من دون شرطي بلدية وبالتالي يفترض بها أن تقوم بدور الرعاية والحراسة ومراقبة ما يحدث ضمن إطار صلاحياتها وبلدتها. هناك محافظون لا يجيبون على هواتفهم ولا يملكون الوقت لذلك، ولا أعلم ماذا يمنعهم من الرد؟ مع العلم أن المحافظ الى جانب البلديات وإتحاد البلدايات بإمكانهم القيام بخطط إستباقية لمنع ما يحدث والتصدي له”.

ورأى قبلان “أننا لو كنا نملك شرطة بيئية متخصصة كما ينص قانون البيئة رقم 444 الذي صدر عام 2002 لكانت المشكلات أقل، لأن هذه الشرطة تمارس دورها في التحري والمراقبة وإلقاء القبض على المعتدين”.

يبدو أننا نخسر ثرواتنا البيئية مع مرور الأيام، ولبنان الذي تميز بطبيعته الخلابة ومساحاته الخضراء سيفقد هذه الميزة نتيجة إهمال دولتنا الكريمة وطائفية الأحزاب، فمتى سيتوقف الإجرام بحق طبيعتنا وأشجارنا؟

شارك المقال