بائعو القهوة الجوّالون… “على الحلوة والمرّة” صامدون

جنى غلاييني

في ظل الأزمة الاقتصادية المستفحلة والارتفاع المتصاعد في نسب البطالة بين صفوف الشباب، ضاق اللبنانيون ذرعاً بإيجاد عمل يسترزقون منه ويعيلون عائلاتهم، حتّى أنّ الكثيرين ممن طردوا من أعمالهم أو أقفلت المؤسسات التي كانوا يعملون فيها أبوابها، ذهبوا نحو أعمال حرّة بسيطة وذلك حسب قدرتهم المادية، ومن بين هؤلاء عدد كبير لجأ الى شراء آلة إكسبرس ووضعها إمّا في زاوية من زوايا الشارع، أو التجوّل بها على ظهر درّاجته النارية متنقّلاً من شارع الى آخر ليستقطب زبائنه.

يتنقّل الشاب محمود.ع في شوارع بيروت على دراجته النارية المحمّلة بصندوق كبير واضعاً فيه آلة الاكسبرس وكل مستلزمات المشروبات الساخنة، من قهوة وشاي ونسكافيه وشوكولا ساخنة، محاولاً ملء الجيبة بأكبر قدر ممكن من المال، ليعود الى بيته حاملاً كل ما ينقص عائلته. ويصف واقعه كبائع جوّال لـ”لبنان الكبير” بالقول: “أنا كلبناني لا أملك شهادة جامعية، وجدت الحل الأنسب منذ 4 سنوات أن أكون بائع قهوة جوّالاً واليوم كل ما أملكه هو آلة الاكسبرس ودراجتي النارية ذات الدواليب الثلاثة، وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية التي جعلتنا نعاني من كل الجوانب المعيشية لا زلت أتنقل بدراجتي من شارع الى آخر ضمن بيروت وضواحيها، وأصبح لدي زبائن دائمون”.

ويوضح أن “الربح الذي أجنيه في اليوم الواحد بالكاد أستطيع به تأمين اللوازم الأساسية التي تنقص عائلتي وأن أدخّر القليل لشراء المواد اللازمة للاكسبرس. واليوم أنا أعاني من أعطال في آلة الاكسبرس كونها قديمة وأقوم بصيانتها كل فترة وبالتأكيد سأحتاج قريباً الى شراء واحدة جديدة، والحمد لله أنني قادرٌ على الرغم من هذه الظروف على إعالة عائلتي”.

ظاهرة باعة القهوة والمشروبات الساخنة الجوّالين في لبنان ليست جديدة، ولطالما شاهدناها في كل مناطق لبنان، ولكن بأعداد ضئيلة، واليوم غيّر الوضع المعيشي لكثير من اللبنانيين مسار حياتهم، ولم يعد الأمر يقتصر على الذين لا يملكون شهادات جامعية، بل طال أيضاً المتخرجين الذين تاهوا فور دخولهم سوق العمل، ولم يتمكنوا من إيجاد ما يناسب شهادتهم، وهذا هو حال الشاب أحمد.م الذي تخرّج منذ عام ونصف العام، ولدى بحثه عن عمل لم يجد ما يناسبه، ولكن العربة الجوالة لوالده أنقذته من الجلوس في المنزل. ويشرح: “حين لم أوفق في العثور على وظيفة لائقة، وبعد رفضي من شركات عدة طلبت أن تكون لدي خبرة مسبقة في العمل لا تقل عن 3 سنوات، وجدت الحل الأنسب أن لا أرهق نفسي بالبحث في لبنان وأن ألجأ الى شركات في الخارج علي أجد وظيفة تلائمني، وبالفعل أرسلت سيرتي الذاتية الى عدد منها وأنتظر الرد، ولكنني بطبعي لا أحب الجلوس من دون عمل ولأنني احتاج الى المال لأعيل نفسي وعائلتي، قررت أن أعيد الحياة الى عربة أبي التي كان يبيع عليها المشروبات الساخنة منذ سنتين – واليوم هو مقعد – عبر صيانة آلة الاكسبرس وشراء كل ما يلزمها، وها أنا أقوم بالتجوّل بها في شوارع بيروت مستقطباً الزبائن، ولا أعود الى المنزل إلّا وفي جيبي مليون ليرة”.

وعن أسعار المشروبات الساخنة، يؤكد أن “البائعين الجوّالين أسعارهم دائماً أرخص من المحال، فكوب النسكافيه أبيعه بسعر 15 ألف ليرة، القهوة بين 6 آلاف الى 10 آلاف، والشاي 10 آلاف وكذلك باقي المشروبات من زهورات ويانسون… وأركن عربتي يومياً لمدة 3 ساعات الى جانب صالون تجميل في بيروت وأجني المال الوفير لكثرة طلب زبائنه للنسكافيه والقهوة والماء”.

شارك المقال