الحرف اليدوية… هواية منسيّة

نور فياض
نور فياض

الحرف اليدوية، وريثة صنائع الأمس. في الماضي كان أجدادنا وأجدادهم لا يتلفون شيئاً، فمثلاً يصنعون من القش أثاثاً للمنزل، والصوف يحوّل الى خيطان تصنع منها حياكات مختلفة. تتطلّب الحِرف صبراً ودقة لأنها تعتمد على الأيادي، وهي مهدّدة بالزوال بسبب المكننة والتطور التكنولوجي، وباتت شبه محصورة بالجيل القديم، اضافة الى الأزمة الاقتصادية التي منعت أصحابها من شراء مستلزماتهم بأسعار رخيصة.

يقول شربل عازار وهو أستاذ في الفلسفة ونائب مدير القسم الابتدائي في “المدرسة المركزية” – جونية، في حديث لـ”لبنان الكبير”: “بدأت بممارسة حرفة العصي سنة ٢٠١٥ كهواية، فكنت أجمع العصي وأشتغل بها، فأنا من محبي ممارسة رياضة المشي في الطبيعة، وفي أوقات فراغي أذهب لاكتشاف منطقة لبنانية جديدة. قبل الأزمة كنت أمتلك محلاً للمثلجات، وبسبب الانقطاع الدائم للكهرباء أغلقته وقررت أن أحوّل هوايتي الى عمل جديّ وأصبحت أبيع العصي.”

ويؤكد عازار أن “هذه الحرفة شبه ميتة، وقلة من تمارسها، ليس في لبنان وحسب، انما في جميع أنحاء العالم، وحتى محترفوها يشتغلون بعصي مصنّعة، أما أنا فأشتغل بعصي من سنديان طبيعي (وفق طبيعة منطقتي). أولاً أقص العصا، وأشويها على النار لتصبح يابسة، ثم أربطها على حاجز حديدي، وبعد ٤ أشهر أبدأ العمل بها وبذلك تكون قد جفت تماماً، ففي حال استعملت العصا قبل أن تجف، تقوّس (أي تأخذ شكل قوس).”

ويشير الى أنه يقوم بأبحاث لمعرفة ماهية رمز العصا، فقديماً كانت رمزاً للمجد في القبائل مثلاً، وفي حال موت رئيس القبيلة تسلم العصا الى شخص آخر وبذلك يكون قد أعطي السلطة.

ويوضح “أننا نجد اليوم طلباً على العصي في ظل غياب الدعم من الدولة”، لافتاً الى الدعم المعنوي الذي قدمه له النائب طوني فرنجية “وهو السياسي الوحيد حتى الآن الذي قدم لنا دعماً معنوياً من خلال الزيارة التي قام بها، اضافة الى نشر صورنا على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: “Chabto Hiking Canes.

عازار واحد من أصحاب المشاريع الشبابية في لبنان الذي يؤكد على ريادة شبابنا وتعلقهم بأرضهم، وعرف بابداعه كيف يتحدى الصعوبات الحالية ويؤسس لمشروعه بنجاح. من هنا يشدد على وجوب “أن تدعم الدولة هذه الحرفة وكل الحرف اليدوية التي أصبحت منسية ومهملة على الرغم من وجود نقابات عدة ولكنها غير موحدة ولا قانون يحميها.”

أما الشابة ريان اسماعيل فتمتهن الفن المكرمي أي فن حبك الخيوط والحبال بطريقة فنية تضفي عليها مظهراً جمالياً، وتصفه بأنه “متعب ويستغرق وقتاً طويلاً لانجاز التحفة”. وتشير الى أنها “كانت هواية في البدء واليوم تحولت الى مصدر رزق، ولكن طالتها الأزمة الاقتصادية أيضاً، فأسعار الحبال المكرمية باهظة ومسعّرة بالدولار الأميركي ولكنها تفقد أحياناً من لبنان، فأضطر الى طلبها من الخارج.”

ريان تتنقل عبر كرسي متحرك، لذلك تجد صعوبة في فتح محل خاص بها، وتقول: “أحب أن يكون لدي محل خاص ولكن هذا الأمر صعب، فأنا بحاجة الى من يقلني اليه ومن يبقى بجانبي لمساعدتي، لذا رأيت أن من الأفضل ممارسة هذه الحرفة في المنزل وأعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي وأبيعها اونلاين. واليوم أعمل على انشاء موقع يساعدني في الانتشار خارج لبنان”. وتؤكد أنها تحرص على بيع هذه القطع بمبالغ تناسب الجميع مهما كانت ظروفهم الاقتصادية مريرة.

لا يختلف الأمر عن نجاة فياض، الشابة الجنوبية التي لم تنه دراستها، ولكنها قررت أن تستثمر أوقات فراغها في هوايتها التي أحبتها من خلال تطبيق “انستغرام”، وتوضح: “حرفتي هواية وليست مصدر رزق، فأنا أصنع الباطون الذي غالباً ما يفقد من الأسواق الأمر الذي يعوق عملي، وأضع فيه قوالب السيليكون ثم أزرعه. وأصنع أيضاً souvenir لحديثي الولادة. وأصبحت اليوم أبيع ليس في لبنان وحسب، انما للخارج أيضاً”. وتؤكد أن “هذه الحرف اليوم لا تجلب الربح وفي الوقت عينه لا خسارة فيها”.

تلعب الحرف في لبنان دوراً اقتصادياً وثقافياً بارزاً وتشكل متنفساً معيشياً للكثير من المواطنين، إلا أن بعضها مهدّد بالزوال بسبب سوء التنظيم والاهمال في السياسات العامة وعوامل أخرى إضافة إلى غياب قانون واضح ينظم العمل والتسويق مما يفقدها دورها الاقتصادي والثقافي. فأصحاب الحرف اليدوية خسروا المعركة أمام الدولار والأزمة الاقتصادية من جهة والسياسية من جهة أخرى، وفي المقابل خدمهم التطور التكنولوجي ومنصات التواصل الاجتماعي في انتشارهم. ولكن هل ستبقى هذه الحرف مجرّد هواية تمارس خلال أوقات الفراغ؟!

شارك المقال