رياح الأزمات تقتلع “نخلة التنين” في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

مقهى في طرابلس بسيط وجميل، يعيدك في أجوائه بثوانٍ معدودات إلى حقبة فنية خالدة في تاريخ الفن اللبناني، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالفنان والمؤلف الموسيقي زياد الرحباني الذي لا تغادر لمساته هذا المكان، سواء بالشكل أو بالمضمون، أي بالروح الفنية المميزة التي برزت منذ لحظة تأسيسه عام 2016.

“نخلة التنين”… هكذا أراد أصحاب المقهى تسميته نسبة إلى مسرحية الرحباني المعروفة “سهرية” وقهوته نخلة التنّين، وبين من يعرف معنى اسم القهوة وبين من يجهله، يتيح هذا المقهى التعرّف إلى نوع جديد من المقاهي، فهو يختلف عن المقاهي الأخرى المنتشرة في المدينة، وهي غالباً ما تكون إمّا مقاهي شعبية أو غير شعبية، أمّا نخلة التنين فهو مقهى ثقافي، موسيقي يسمح للعديد من الموسيقيين سواء أكانوا مؤلفين أو ملحنين أو مؤدين بتقديم فنونهم في سهرات خاصة، هدفها ليس التسلية فقط وإنما التعرّف إلى مواهب جديدة من طرابلس أو من خارجها، وقد وجد الكثير من أصحاب الفكر الثوري أنفسهم في مثل هذا المقهى الذي كان يعد متنفساً لهم.

بعد 5 سنوات من تأسيسه، تم الإعلان اليوم عجزه عن تحمّل الأعباء الاقتصادية وتأثره بالأزمات التي تعصف بلبنان، فاتجه أصحابه إلى عرضه للبيع ونشر هذا الإعلان على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع الكثير من مرتادي هذا المقهى إلى الشعور بالاستياء بسبب تعلّقهم الشديد بالأجواء الإيجابية التي يبثها هذا المكان الذي تملؤه الآلات الموسيقية، الصور الفنية المختلفة كصور الفنانة القديرة فيروز وزياد الرحباني، فضلًا عن الكثير من التفاصيل التي تحمل صبغة “رحبانية” عرفها الكثيرون ولن يكون بمقدورهم الاستغناء عنها بسهولة، لا سيما من اعتاد زيارة المقهى والمشاركة بفعالياته الموسيقية.

وأشار أحد أعضاء إدارة المقهى إلى تراجع كبير في عدد السهرات الموسيقية، إذ كانت تُنظم حوالي سهرتين موسيقيتين في أسبوعٍ واحد. وقال لـ”لبنان الكبير”: “نشعر بالاشمئزاز الكبير والاستياء الشديد بسبب الأوضاع التي لم تترك لنا سبيلًا لنتنفس بشكلٍ طبيعيّ حتّى، وأحيانًا قد نقوم بالعزف منفردين على القانون والعود وغيرهما من الآلات الموسيقية، ولكن لم تعد الأجواء أو الحماس بالمستوى ذاته كما كنّا في فترات سابقة”.

وأوضح: “نتجه إلى عرض المقهى للبيع اليوم، لأنّنا غير قادرين على إدارته في ظلّ ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بشكلٍ جنونيّ وبلا حدود تُذكر، ولا بدّ من القول إن فرعنا الأوّل الذي افتتحنا منه المقهى كان في منطقة أبي سمراء، وبعد غلاء المعيشة وارتفاع الدولار مع الإيجار، انتقلنا إلى ساحة النور ولكن لم نكن نتوقّع وصول الدولار إلى هذا المستوى المرتفع وتدني مستوى المعيشة إلى هذه الدرجة”.

ولم يُحاول المقهى مضاعفة الأسعار فيه بشكلٍ كبير على زبائنه ولكن إدارته تعترف أن الأمور زادت عن حدّها، ويُتابع عضو الإدارة: “آخر مرة عدّلنا فيها الأسعار كانت على الدولار بـ 6000 ليرة لبنانية، ولكنّنا لم نُعدّل الأسعار بعدها أبدًا، إلّا في البضائع كالمشروبات الغازية أو المعلبة وغيرها… أمّا القهوة أو الشاي فما تزال تتراوح حتّى الآن ما بين 2500 و3000 ليرة فحسب”.

كما لا تنكر الإدارة أن “رفع الأسعار لديها ولو بنسبة قليلة، أثّر على الزبائن وأثار ردّة فعل سلبية عند الكثير منهم”.

يمكن القول، إن أعضاء الإدارة يتمنون تغيّر الواقع المعاش وهو واقع غير مناسب على الإطلاق لتنشيط العجلة الاقتصادية، فالكثير من المؤسسات أو الشركات أو المحلات أعلنت إفلاسها أو اتجهت إلى إقفال أبوابها، غير راضية عمّا وصلت إليه الأوضاع مؤخرًا، ولكنّها تحاول تجاوز السلبيات التي أرهقت البلاد والمواطن اللبناني، ولكن تبقى هذه المواجهة غير كافية لتخطي المرحلة القاسية التي وصلت إليها البلاد.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً