الأسرة في يومها العالمي… تحديات ديموغرافية تواجه تكوينها

تالا الحريري

يصادف 15 أيار من كل عام اليوم العالمي للأسر لما لموضوع الأسرة من أهمية في المجتمع وعلى صعيد الفرد، يجب دائماً تسليط الضوء عليه. ويهدف الاحتفال بهذا اليوم لعام 2023 إلى زيادة الوعي في تأثير الاتجاهات الديموغرافية على الأسر، لأن الأسرة تشكل نصف المجتمع كما أنّها تلعب دوراً كبيراً في توازن الأفراد وتكوين شخصية سوية، وهي التي ترافقه طيلة حياته. وفي مجتمعاتنا العربية من الصعب الانفصال عن العائلة، لذلك يبقى هذا المفهوم راسخاً لدينا. فالأسرة هي العنصر الأول والأهم الذي يختلط به الطفل ويتعامل معه لفترة طويلة قبل أن ينتقل إلى المجتمع الخارجي كالمدرسة والعمل والمؤسسات الأخرى.

وأعلنت الأمم المتحدة هذا اليوم بموجب قرار الجمعية العامة الصادر عام 1993، ويراد منه أن يعكس الأهمية التي يوليها المجتمع الدولي للأسر. ويتيح اليوم الدولي الفرصة لتعزيز الوعي بالمسائل المتعلقة بالأسر وزيادة المعرفة بالعمليات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية المؤثرة فيها.

توضح الاستشارية في شؤون الأسرة رنا غنوي لـ “لبنان الكبير” أنّ “الأسرة هي نواة اجتماعية تتألف من جندرين مختلفين، يمكن أن ينتج عن علاقتهما أطفال، بالتالي تنتقل النواة إلى مجتمع. مع التطور والحداثة أي مجموعة أفراد يتشاركون المنزل نفسه وتربطهم علاقة عاطفية أو ذات التزام معين يكونون قد شكلوا أسرة، وهنا نكون وسعنا الدائرة قليلاً ومنحنا الحق لأشخاص لا تربطهم علاقة زواج معينة أو أنجبوا أو لم ينجبوا وأسسوا نواة اجتماعية، فيطلق عليهم أسرة”.

وتشير الى أن “صعوبة تشكيل الأسرة تتشكل إما عمودياً بوجود العناصر التالية: بيت، ألفة، ترابط، علاقة التزام، والعناصر الفيزيائية الأخرى كرجل وامرأة والانجاب، أو تكون أفقية يعني تتعلق بالنظم والقوانين والتسهيلات لوجود العناصر التي تؤلف الأسرة، يعني اذا كنت في بلد لا يسمح بالمساكنة فلا يمكنني أن أعتبر أنني مع شريكي وابننا أسرة، لأنّ القانون حينها لا يسهّل هذا الأمر لكنه في النهاية لا يلغي هذا المفهوم. من هنا نقول صعوبة تكوين الأسرة لا تكون مرتكزة على اكتمال العناصر ووحدتها ووحدويتها وحسب، بل تكون بتسهيل من النظم والسياسات والقوانين الموجودة داخل المجتمع حيث تكون هذه الأسرة موجودة فيزيائياً”.

وتلفت إلى أنّ “أي عنصر يُفقد من هذه الأسرة نبدأ بالحديث عن اختلال فيها. صعوبة تشكيل الأسرة يمكن أن تكون مرتبطة باختلال، فخلال هذه العملية يمكن أن يجمع أي رجل وامرأة علاقة حميمة أو علاقة التزام وترابط انما ليست لديهما القدرة على التواصل بطريقة ايجابية أو انجاب أطفال أو أن يكونا مستقلين أو يتشاركا همومهما وأفكارهما اليومية، ومن هنا يبدأ الاختلال”.

وتقول غنوي: “صعوبة تشكيل الأسرة لم تعد تقتصر على الرفاهية المادية. الزواج أصبح مبنياً على ارادة شخصين يريدان تأسيس منزل. في السنوات العشر الأخيرة من عمر الكون والأرض تغير مفهوم ادارة الموارد لتكوين الأسر، يعني قبل ذلك في بعض المجتمعات التي تسمح بتعدد الزوجات، كان الأشخاص عندما يشعرون أنّهم على وفاق وراحة مادية عالية يفكرون في الزواج من أخرى. لكن الأزمات الاقتصادية المتتالية في السنوات الأخيرة تزامناً مع تطور مفهوم تكوين الأسرة ومفهوم الانجاب والالتزام والزامية التعليم، جعلت أرباب الاسر يفكرون عدة مرات قبل اتخاذ خطوة تكوين أسرة معينة. وبالتالي باتت هناك ادارة الصحة الانجابية وهي تطور وسائل الانجاب، كما أنّ فرص الأشخاص في الحصول على طفل صارت متميزة أكثر من قبل نتيجة تطور الطب وهذا يدل على أنّ الناس بات لديهم نوع معين من الحرية خارج العادات والتقاليد”.

وتؤكد أنّ “الأشخاص بات لديهم الوعي الكافي والقدرة والاستقلالية الفكرية الكافية للاكتفاء بعدد الأطفال الذي يريدونه في أسرة نوعاً ما متوسطة إلى صغيرة الحجم، وهذه بحد ذاتها لعبت دوراً ذا وجهين: دور مشجع للأشخاص ليكوّنوا أسرة بطريقة أكبر يعني هذا البروتوكول صار من السهل الوصول اليه، فأي شخص تكتمل لديه عناصر تكوين الأسرة يتمكن من الزواج من دون التفكير بانجاب 10 أطفال مثلاً”.

وتضيف غنوي: “أي شخص يمكن أن تكتمل لديه عناصر تكوين الأسرة يتجه إلى تكوينها، بينما المجتمعات القائمة على العقلية العائلية والعشائرية تعتمد على التعددية كمصدر قوة، فهذا البحث عن العدد الأكبر من الأشخاص ساهم في عدم الالتزام في مكان ما بالتطور والحداثة. كما أنّ العائلات الممتدة التي تقوم على الدعم المشترك جعلت الاشخاص يتخلون عن فكرة الاكتفاء بطفل أو اثنين. هذا الأمر لم يؤثر على تغيير ديموغرافي معين بل قام بتغيير ديموغرافي بحد ذاته، لأن المركزية الادارية في بلداننا جعلت كل الموارد والخدمات الكبرى موجودة في المدن. في الأردن وبعض دول الخليج نرى أنّه ليس هناك الكثير من التفرقة في التوزيع الديموغرافي بين المدن والأرياف، بينما في بلدان منقسمة على نفسها مثل لبنان وسوريا قليل أن نجد عشائر متمركزة في المدن، اذ يكونوا متمركزين كنزوح مؤقت في المدن لأسباب تعليمية أو مهنية، لكن كأملاك لديهم تكون في القرى لذلك هذا الارتباط الديموغرافي بمكان تواجد العائلة الممتدة قام بهذا التغير الديموغرافي، واجتماعياً هو منتمٍ”.

وتشدد على أنّ “توزيع الفرص والكفاءات والخدمات على كل السكان في البلدان كافة لا يكون بالتساوي، فالبلدان لا تتمكن من توزيع مواردها بصورة كاملة ومتساوية على المواطنين عندما يكون هناك تعداد زائد للسكان أو لامركزية ادارية، هذا يؤدي تلقائياً إلى حصول أشخاص على التعليم والطبابة والسياحة والحقوق المدنية وآخرين يحرمون منها. توزيع هذه الفرص هي التي خلقها التغيير لتكوين نواة الأسرة المجتمعية، واذا أردنا التحدث عن وضع لبنان عموماً فالعائلات فيها متوسطة، وقليلون المصنفون كعائلات كبرى ونسبتهم ما دون 20% وبالتالي هذا لا يشكل انذاراً كمؤشر اجتماعي. أمّا عربياً، فالموضوع بدأ يتغير لأنّ الوضع الاقتصادي هو الذي بات يؤثر على أكبر تكوين من مكونات الأسرة وهو المنزل وأن تحصل على خدمات بطريقة متوازية، هذان المكونان الأساسيان يمكن أن يخلّا بالعودة ما دون العشرين سنة إلى الوراء”.

شارك المقال