عمالة الأطفال في لبنان… أحلام مسروقة وآمال مكسورة

حسين زياد منصور

مما لا شك فيه أن عمالة الأطفال كانت موجودة في لبنان منذ سنوات، وهو أمر لا يمكن تجنبه على الرغم من كل الاجراءات، الا أن الأزمة الاقتصادية، وما تلاها من تبعات أثرت أكثر في هذه المشكلة.

وأدى تفاقم الوضع المعيشي السيء في لبنان الى انتشار ظاهرة عمالة الأطفال بصورة كبيرة، إلى جانب الارتفاع في عدد السكان، وازدياد أعداد اللاجئين وزيادة نسبة هذه العمالة لديهم أيضاً.

صحيح أن هذه الظاهرة لها تأثير سلبي حالياً في المجتمع اللبناني، ولكن لها أيضاً تأثيرات في المستقبل، خصوصاً أن السلطات لم تتمكن من تداركها ولو بأقل الامكانات، بحسب أحد أساتذة علم الاجتماع، الذي اعتبر في حديث لـ”لبنان الكبير” أن على جميع الوزارات المعنية التكاتف ووضع خطة عمل موحدة للتخفيف من نسبة عمالة الأطفال في لبنان، حتى أنه ليس هناك إحصاء دقيق لعدد الأطفال اللبنانيين، فهناك أيضاً عمالة الأطفال السوريين والفلسطينيين.

وشدد على وجوب “أن يكون هناك فريق عمل متكامل، يضم وزارات العمل والشؤون الاجتماعية الى جانب فرق من وزارتي الداخلية والعدل، وتكون الخطة الموضوعة تحت اشراف المنظمات الدولية المعنية بهذا الملف، والتي بدورها يجب أن تؤمن التمويل اللازم لخطة كهذه، في ظل الأزمة التي نمر بها”.

وأشار أحد المطلعين على ملف عمالة الأطفال أن عدد العاملين منهم في ازدياد، وهو أمر طبيعي نسبة الى الأزمة التي يعاني منها معظم اللبنانيين.

وقال: “شهدنا الكثير من التسرب المدرسي خلال السنوات الماضية بعد غلاء الأقساط، وهذا يعد عاملاً أساسياً، فأولاً كان التسرب من المدارس الخاصة الى المدارس الرسمية، ومن ثم بسبب الاضرابات التي شهدها قطاع التعليم وتوقف المدارس عن العمل وخصوصاً المدارس الرسمية التي شهدت اكتظاظاً في بعض المناطق، عانت هي أيضاً من التسرب”.

وأوضح أن “عدداً من الأطفال توجه الى سوق العمل، بسبب الأزمة إن كان لإعانة العائلة في هذه الظروف، أو لاكتساب مصلحة يعتمدون عليها وتصبح عملهم الدائم، أو حتى البعض الذي سئم من الدراسة”، لافتاً الى أن “وزارة العمل أطلقت في السابق خطة لمواجهة عمالة الأطفال، وكان من المتوقع أن تكون لها نتيجة، لكن غياب الدعم والتمويل اللازم كان سبباً في توقفها”.

هذا هو واقع عمالة الأطفال في لبنان الذي تفاقم نظراً الى المشكلات التي نواجهها، فالواقع سيء على الرغم من وجود اتفاقيات ومواثيق صادق عليها لبنان وقوانين لحماية حقوق الطفل ومكافحة عمل الأطفال.

فعمالة الأطفال في لبنان تتعارض والقوانين اللبنانية ومواد المعاهدات والاتفاقات الدولية الراعية لحقوق الطفل، ووقعت الدولة اللبنانية في العام 1991 على اتفاقية حقوق الطفل التي توصي بحماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي وتمنعهم عن ممارسة أعمال قد تضرّ بصحّتهم الجسدية والعقلية أو تحول دون تحصيلهم العلميّ.

على تقاطعات الطرق نجد أطفالاً يفترشون الأرض، أو يسيرون بين السيارات ويبيعون العلكة، الورود، اليانصيب، وأي شيء. وأكدت جويل البالغة من العمر 13 سنة أنها تبيع العلكة او أي شيء لتحصيل المال، وهي مجبرة على العمل، وقد تركت المدرسة منذ سنتين، فأهلها لم يعد بإمكانهم تأمين المعيشة لها ولشقيقاتها الثلاث اللواتي يصغرنها سناً، مشيرة الى أنها تجوب الطريق كله من الصباح حتى الظهر، كي تتمكن من بيع ما تحمله، ولطالما كانت تحلم بأن تصبح معلمة.

أما عبد الكريم البالغ من العمر 15 سنة، فيعمل في محل ميكانيك سيارات، وأوضح أنه خسر والده منذ سنوات بسبب المرض واضطر الى ترك المدرسة والانخراط في سوق العمل لمساعدة عائلته، فهو الابن البكر. وقال: “دخلت سوق العمل مرغماً، فقد كنت أتمنى أن أصبح طبيباً، لكنني مضطر الى مساعدة أمي في المصروف بسبب حالتنا المأساوية، فنحن نعيش في منزلنا الصغير مع اخوتي الثلاثة، على أمل أن يتمكنوا من متابعة دراستهم”.

اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، الذي يُحتفل به في 12 حزيران من كل عام، يهدف إلى تحفيز الحركة العالمية المتزايدة ضداً على عمل الأطفال. وتقرر أن يكون شعار احتفالية هذا العام “تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع. إنهاء عمل الأطفال”.

وأشارت الأمم المتحدة في بيان الى أن من الممكن إنهاء ظاهرة عمل الأطفال إذا عُولجت الأسباب الجذرية لها. ومن الملح للجميع المساهمة في إيجاد حلول لمشكلات الناس اليومية، ولعل عمل الأطفال هو أحد أكثرها وضوحاً.

واعتبرت أن “احتفالية اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال لعام 2023 بمثابة اللحظة الزمنية المناسبة لإثبات إمكان تحقيق التغيير عندما تتضافر الارادة والعزم تضافراً يتيح زخماً للجهود المبذولة التي ينبغي التعجيل بها في موقف له ضرورته الملحة”.

ودعت إلى إعادة تنشيط العمل الدولي لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولا سيما في ظل التحالف العالمي المتوخى لتحقيق العدالة الاجتماعية، مع اعتبار إنهاء عمل الأطفال أحد عناصره المهمة؛ التصديق العالمي لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، التي ستتيح – جنباً إلى جنب مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها، التي صُدّقت في العام 2020 – الحماية القانونية للأطفال في أشكال عمل الأطفال كافة؛ والتنفيذ الفعال لنداء ديربان للعمل.

وتحتل أفريقيا المرتبة الأولى في ما يتصل بأعمال الأطفال، بحيث يصل عددهم إلى 72 مليون طفل، فيما منطقة آسيا والمحيط الهادئ تأتي في المرتبة الثانية بحيث يصل العدد إلى 62 مليون طفل. في حين أن النسبة المئوية للأطفال ضمن عمالة الأطفال هي الأعلى في البلدان منخفضة الدخل، فإن أعدادهم في الواقع أكبر في البلدان المتوسطة الدخل.

شارك المقال