ذكرى تجارة الرقيق والغائها… “متى استعبدتم الناس…”؟

ساريا الجراح

الثالث والعشرون من آب من كل عام، هو اليوم الدولي لذكرى الاتجار بالرقيق وإلغائه، الذي شكل حقبة مهمة ومؤلمة في تاريخ البشرية، حيث كانت العبودية وتجارتها منتشرة في مختلف أنحاء العالم. وتعني تجارة الرقيق احتجاز الأشخاص وبيعهم كالعبيد بهدف الافادة من عمالتهم أو التجارة بهم. وفي القرن الخامس عشر الميلادي، بدأت الاستعمارات الأوروبية، بما في ذلك الأميركيتان وإفريقيا، وشهدت هذه الفترة زيادة كبيرة في التجارة بالرقيق، وكان الأفارقة هم الضحية الرئيسة لها، بحيث اختطف العديد منهم وبيعوا كعبيد في الأميركيتين. ولكن بداية القرن التاسع عشر شهدت نشوء حركات مناهضة للعبودية وتجارتها، ليدخل في الأول من كانون الثاني 1808 قانون تجريم تجارة الرقيق حيز التنفيذ في الولايات المتحدة الأميركية، ما أدى في النهاية إلى إلغاء تلك التجارة في العام 1865 بعد الحرب الأهلية الأميركية.

مأساة سنوية تجول العالم

يوم الذكرى الدولي لتجارة الرقيق وإلغائها يهدف إلى تسليط الضوء على تاريخ تجارة الرقيق في العالم وآثارها وتبعاتها. يحتفل به في الأول من كانون الثاني من كل عام، ويهدف إلى تذكير الناس بأهمية حقوق الانسان ومكافحة العبودية في جميع أشكالها. يشير اليوم أيضاً إلى الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لمكافحة العبودية والتجارة غير القانونية في العصور الحديثة. يثير هذا اليوم الوعي الى أهمية إلغاء تجارة الرقيق والتغلب على تحديات حقوق الانسان في جميع أنحاء العالم.

بين التملك الجسدي والنفسي شعرة

يقتصر اليوم على مهنة تنظيف المنازل منطق “العبودية”، لكن لمن يدرك أحقّية المفاهيم يعلم جيداً أنها مهنة لا يُنسب العيب اليها وتُشابه غيرها من المهن. وفي الكثير من الأحيان تنقلب الموازين والمفاهيم ويلجأ اللبنانيون الى استخدام العنف والضرب ضد العاملين أو العاملات بهدف الاسراع في انجاز عمل ما، أو نتيجة عقد نفسية تطارد ربّ المنزل أو ربما “لغاية في نفس يعقوب”.

وأكد رئيس نقابة أصحاب مكاتب استقدام العاملات في الخدمة المنزليّة جوزيف صليبا في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “الموافقات المسبقة على استقدام عاملات خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام ٢٠٢٣ بلغت أكثر ٨ آلاف عمليّة، علماً أنّها كانت تبلغ في السنوات السابقة تبلغ بين ١٨ و٢٠ ألفاً، وبالتالي هناك تراجع يصل إلى ما بين ٤٠ و٥٠ في المئة”. هذا كله مردّه الى الأزمات التي غلّفت لبنان وأرغمت عائلات كثيرة على الاستغناء عن العاملات الأجنبيات اللواتي كن يعملن لديها.

وماذا لو كان التملّك اليوم نفسيّاً يتجسّد بمجموعات تعاود الوقوف في صفوف عرّابي فاسديها على الرغم من الفقر، والتعب، والاضطراب؟ هذا هو حال قسم من الشعب اللبناني الذي اختار “الزعيم” للمرّة الألف، ففي كل ذكرى انتخابية يرتدون حلية المتوفّى ويذهبون لاتمام مراسم الدفن بصندوق رائحته من دماء الضحايا وأوراقه “ضمائر جفصينية” يقشر سطحها كل أربع سنوات ويعاودوا “ترقيعه”. وعلى هامش الرقيق يسترقّ الانسان أحياناً نفسه من دون أن يشعر حتى يصبح رماداً بارداً لا حاجة الى استخدامه فيتم النفح فيه حتى يتطاير ويختفي.

كان كسر كوب زجاج – من دون قصد – سبباً كافياً لشتمها وحسم راتبها، هذا ما قالته العاملة الأجنبية ليزا التي تعرضت للعنف المتكرر أثناء عملها اليومي في بيت “المدام” السابقة على مدار شهرين. لائحة الاهانات طويلة جداً ختامها يرسو على آلام هذه العبارة التي سمعتها ليزا “الكل بيكرهك وما حدا قادر يتطلع بوجّك”.

تجارة الرقيق تُذكر اليوم كمظاهرة واحدة من أكثر صور الظلم وانتهاكات حقوق الانسان في التاريخ. وتعد ذكراها وإلغاؤها فرصة لإشعال النقاشات المهمة حول التاريخ والعدالة وحقوق الإنسان وضرورة العمل على منع تكرار مثل تلك الأخطاء المؤلمة في المستقبل.

شارك المقال