“تتكمل إمكانياتنا كلنا”… دعم تحسين معيشة المرأة واحترام دورها

عامر خضر آغا

هيمنت رموز الاستبداد ومتخيلات الطاعة الواهية على الثقافة العربية وكانت ضحيتها الأولى المرأة التي لا تزال ترزح تحت “سلبطة” النظام الأبوي بنهج تفضيلي تبعي لزعامة الأب الواحد المقصي لكل قيم العصامية والتفاهم والذي لم يفوت فرصة واحدة للانتقاص من كرامتها وسلبها الكثير من حرياتها الأساسية، حارماً اياها من ممارسة أمومتها بصورة سليمة ومهمشاً دورها في تأدية أدوار مفصلية في سوق العمل، ما جعل حقوق المرأة من أجَلّ القضايا المعاصرة والشائكة في الدول النامية خصوصاً الحاضرة في حملات دولية جمة، وآخرها حملة “تتكمل إمكانياتنا كلنا” التي أطلقتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بالتعاون مع البنك الدولي.

تهدف الحملة بحسب بيان الهيئة إلى تشجيع النساء على الدخول الى سوق العمل، وتُلقي الضوء على أهمية مساندة الرجل للمرأة وخصوصاً الأم، ومشاركتها في تحمّل المسؤوليات الأسرية لكي تتمكّن من تحقيق النجاح والمساهمة في تحسين الشروط المعيشية لأسرتها. وترمي كذلك إلى دفع المؤسسات الحكومة والاقتصادية الى اعتماد سياسات داخلية داعمة ومحفّزة لمشاركة المرأة في القوى العاملة. وإنّ إسهامها في ميادين العمل لا يزال الحل فيها مهمل وترقيعي في أحسن الأحوال بعدم الانصاف بين الجنسين في التقديمات الاجتماعية والصحية والمعنوية والمادية وتولي الوظائف الأكثر تأثيراً وغياب كل الضمانات التي تحمي طردها من عملها من دون عذر شرعي، فقد تعددت أسباب طردها من سوق العمل كحلقة ضعيفة عقلياً ونفسياً وحتى صحياً ككائن اتكالي تنتهك عزته في أي وقت وبكل الاشكال وأبرزها: العبء الأسري والواجبات الزوجية، التمييز بين فئة الاناث على أساس العمر تسهيلاً للتحرش بهن أو اقامة علاقات جنسية عابرة، عدم وجود تشريعات تحمي حقوقها بصورة محددة وفي مسائل الطلاق خصوصاً، وتحدد واجباتها نسبة الى ظروفها الحياتية المختلفة وقدرتها على العمل كإنسان طبيعي مثل الرجل لاسيما في المراكز التي تحتاج الى ذكاء وخبرة أكثر، الا أن هذه القوانين لو وجدت فستكون غير معاصرة أو لا تنفذ بالقوة اللازمة على أرض الواقع.

وأشارت المحامية نهى حسين لموقع “لبنان الكبير” الى “ما يحصل مع المرأة اللبنانية من انتهاك في العقود الزوجية لجهة عدم استيفاء قيمة مهر ما قبل 2018 تبعاً لما وصل إليه سعر الصرف الحالي للدولار، فلم يصدر حتى اللحظة مرسوم لتعديل عقود الزواج فتطلق المرأة المتزوجة محرومة من جزء كبير من حقها في هذا الشأن، فالقضاء لا يزال خاضعاً لنصية العقد من دون بذل أي اجتهاد ملموس. وفي ما يخص حق المرأة في حضانة أولادها فإنَّ تقدمها بشأن مشاهدتها لهم بصورة مؤقتة أحياناً لأن الدعاوى لا تصدر بموجب قرار معجل التنفيذ وليست باستدعاء يصدر في غرفة المذاكرة، والقضاة في هذا الشأن يتعاملون بإنصاف مع حضانة المرأة لأولادها الا أنَّ العبرة تبقى في تنفيذ جلب الأولاد من الأب فإنه يستطيع بسهولة التملص في الكثير من الأحيان من تلقي التبليغ، واذا أبلغ يقوم بتخبئة الأولاد أو تأمين سفرهم خارج البلاد وسبل المحاسبة ليست متوافرة حتى الآن. أما بما يخص قانون الحماية الأسرية فأصبح يطبق لجهة تغريم الأب مبالغ كبيرة في حال قيامه بالاعتداء على زوجته وأولاده”.

يتوجس المجتمع العربي عموماً من الثقافة الجندرية التي تؤمن بقدرات المرأة الواسعة على النجاح في مجالات عدة على عكس ما هو رائج من أطر وأنماط اجتماعية بالية ورجعية تفتقر الى الكثير من الحكمة في مدى فاعلية المرأة مهنياً وحياتياً، ما يجعل دورها مغيباً أكثر في سوق العمل لناحية عدم السماح لها باختيار الاختصاص الجامعي الذي تراه مناسباً لمهاراتها ومواهبها أو استكمالاً لدراسة فيه بسبب خوف أهلها من انجرارها في الأجواء الثقافية المختلطة وانجرارها بضعفها العاطفي نحو العلاقات المشبوهة جنسياً وخروجها عن القواعد الدينية والعادات الاحتماعية الخاصة ببيئتها الأصلية، عدا عن دخولها في الزواج الطوعي أو الاجباري نتيجة لما سبق ما يسهل عرفياً عدم انخراطها في سوق العمل نظراً الى ما تفقده المرأة عندها من خبرة كأساس لتوليها أي وظيفة، والى ما تتبكده من مسؤوليات في تربية الأولاد بصورة رئيسة والاهتمام بأعمال المنزل من دون أي أدنى اهتمام للرجل بمعاونتها في التربية بطريقة ملموسة كون العرف نفسه يحصر دور الرجل في هذا المجال بالانفاق المادي والتوجيهات التأديبية وحقه بأخذ كل أشكال الطاعة من زوجته بالعنف الجسدي والحرمان المادي والاحكام المعنوي على صحتها العقلية والنفسية، ما يحرم الأولاد من تربية قويمة أخلاقياً واجتماعياً في بيئة تحرم فيها من أبسط حقوقها بدءاً من الحق في العيش بدون التعرُّض للعنف والتمييز المجحف؛ والتمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة الجسدية والنفسية والاستقلالية في أخذ القرار المناسب لشؤونها الخاصة؛ والحصول على التعليم؛ وحيازة الممتلكات؛ والحصول على أجور متساوية.

ولفتت الناشطة النسوية حياة مرشد لموقع “لبنان الكبير” الى أن “دور المرأة في المجتمع ليس معدوماً بل مغيب وممنوع بفعل القوانين والتشريعات المنحازة الى الرجل غير المنصفة بحق النساء وخصوصاً في قوانين الأحوال الشخصية الدينية والقوانين المدنية مثل موضوع الجنسية فلا يحق للنساء في لبنان أن يعطوا الجنسية لأسرهم، اضافةً الى التقاعس في تطبيق قانون العنف الأسري. وهناك سياسات عدة يجب تنفيذها حتى تظهر قضايا المرأة كأولوية ابتداءً من محاربة التمييز والعنف الصادرين من الثقافة الذكورية ضدها في كل المساحات، فيجب أن ينظر الى المرأة أنها انسان كامل الأهلية من دون أن تكون بحاجة الى أن تتبع الرجل، اضافة الى أهمية تغيير الأنظمة التعليمية الانشائية التي تحصر دور المرأة في اعداد الطعام وتعطي المساحة العامة للرجال بتطبيق ثقافة حقوق الانسان وتوعية الأطفال على أهمية التعمق في المواضيع الجندرية وفي التربية على احترام دور المرأة وحمايتها، كما لا يمكن انكار دور الاعلام في الكيفية التي يبث فيها خطابه تجاه النساء، فمنها من ساند قضايا العنف ضد المرأة ومنها من عمل على الحكم على قضايا المرأة بأحكام ذكورية مسبقة، على أن توجد ارادة سياسية لوضع قضايا النساء كأولوية وتسخير الموارد والجهود اللازمة للحد من انتهاك حقوقهن ولتعزيز مشاركتهن أكثر في العمل السياسي”.

شارك المقال