يطرح الطرابلسيّون تساؤلات مختلفة حول سبب استمرار مسلسل الحرائق في بور الخردة فيها بصورة يومية، بغياب أيّة ملاحقة أمنية أو قانونية تحدّ من هذا المشهد الذي اعتاده المعنيون، في وقتٍ لم يعتده المواطنون الذين يُطالبون يومياً بضرورة إجراء مداهمات حاسمة، لوقف “شلال” الحرائق الذي يضخ سمومه لا في ساعات المساء فحسب، بل خلال النهار أيضاً، من دون أدنى تعليق أو حركة أمنية توقف هذه الظاهرة الخطيرة.
لا يكترث المواطنون بمشهد السحب السود الذي يُغطّي سماء المدينة من دون توقّف فحسب، بل أيضاً بالرائحة الكريهة التي لا يُمكن مقاومة شدّتها، حتّى بعد إقفال النوافذ والشرفات، بحيث تقتحم كلّ منزل على مسافة بعيدة جداً من مكان اندلاع الحريق.
ولا يُخفي الطرابلسيّون أيضاً أنّ السموم التي يتلقّون “جرعاتها” الخطيرة دورياً، تأتي من جبل النفايات الموجود بالقرب من هذه البور، الأمر الذي يُفسّر صعوبة الواقع الذي تعيشه المدينة والخوف الذي يُقلق الطرابلسيين الذين تلقوا منذ أيّام صدمة بعد الحديث عن حريق في مرفأ المدينة، ليتضّح فيما بعد أنّ مجهولين أضرموا النيران بمادّة الفيول في الاطارات المطاطية، في أرضٍ محاذية لمحطّة سكّة الحديد على طريق المحجر الصحيّ، والخبر كان كفيلاً بإغضاب المواطنين، خصوصاً من الأجهزة التي أكّدت مباشرتها بتحقيقات “لا يعلم بها إلّا الله”، من دون نتيجة.
إلى ذلك، يُلقي مواطنون اللوم على بلدية طرابلس، ويُؤكّدون قدرتها على إرسال شرطييها لإيقاف المعتدين عند حدودهم، ويردّ رئيس البلدية رياض يمق بالقول لـ “لبنان الكبير”: “نحن نتحمّل مسؤوليّتنا طبعاً ولا نتخلّى عنها، لكن هناك مسؤولية مشتركة بيننا وبين الأجهزة الأمنية وقواها التي تقع عليها المسؤولية بالدرجة الأولى، ولا بدّ من تنسيق، فلا يُمكن للبلدية أنّ تتحمّل وحدها كلّ الثقل الناتج عن عصابات منظّمة، ولا يُمكن أيضاً أن يُعقد اجتماع أمنيّ شمالاً يطرح هذه المسألة ولا يتمّ دعوة البلدية إليه، ونذكّر بأنّ الشرطيّ البلديّ إداري لا أمني، وفي حال طلبوا منّا المؤازرة سنكون معهم قوّة رادعة”. ويعتبر أنّ زجّ بعض المعنيين في البلدية في كلّ ملف مؤذ، يُضعف هيبة السلطة المحلّية.
ويُحمّل رئيس جمعية “لجنة متابعة حقوق طرابلس” محمّد بيروتي (أبو ربيع) المسؤولية، لكلّ من اتحاد بلديات الفيحاء، المخافر والأجهزة الأمنية “النائمة والباحثة عن تفاصيل غير قيّمة لتُسلّط الضوء عليها شمالاً، فيما تصمت عن الأحداث المرتبطة بصحّة الانسان والتي تتطلّب تحرّكاً فورياً ضدّ أصحاب البور الذين تعرفهم جيّداً، خاصّة أولئك الذين يحرقون خلف جسر البداوي بلا حسيب أو رقيب، عدا عن الرائحة النّاتجة عن جبل النفايات والتي تصلنا حسب حركة الرياح، وبما أنّ هذه الأحداث تحصل ضمن بقعة واحدة وقريبة من الجبل، نطرح علامات استفهام حول سبب الصمت، لا سيما وأنّ السكوت أنتج منذ أكثر من 20 عاماً أمراضاً سرطانية انتشرت منذ العام 2000، ونستذكر تحدّثهم عن مشروع نقل سوق الأحد بمحاذاة جبل النفايات، حينها رفعت وزارتا البيئة والصحّة تقريراً يُؤكّد أنّ الأرض ملوّثة، ورُفض المشروع، ومنذ أكثر من 15 عاماً، معظم عمّال الإطفاء وموظفي الاتحاد (الذي يقع ضمن منطقة المحجر)، يُعاني إمّا من أمراض سرطانية أو صدرية مزمنة ناتجة عن أهرامات النفايات التي نتحدّى فيها أهرامات مصر”.
وينفي رئيس اتحاد بلديات الفيحاء ورئيس بلدية البدّاوي حسن غمراوي اندلاع حرائق من البداوي، مشدّداً على ضبطه الأمور ضمن المنطقة قدر المستطاع. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “في البداوي هناك بورتان إحداها لآل عيْشة وأخرى للريداني، حيث تُباع خضروات فيهما ونراقبهما باستمرار، فيما تندلع الحرائق ضمن بور طرابلس كالتبانة والملولة، وتصل رائحتها الصعبة إلينا، وكنّا أرسلنا كتاباً منذ 20 يوماً إلى محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، ليُصدر تعميماً منذ أسبوع إلى وزير البيئة ناصر ياسين ليمتنع أصحاب البور عن الحرق، وتمّت دعوتهم من الأجهزة الأمنية وتحديداً الاستقصاء وهدّدتهم بالإقفال في حال عدم الاستجابة”.
ويرى متابع لهذا الملف، أنّ الحرائق التي تطال كابلات نحاس وإطارات، قد تحدث حالياً نتيجة جمع هذه الاطارات وحرقها في أماكن خارج البور للتنصّل من المسؤوليّة، ما يُفسّر حرقها ضمن منطقة سكّة الحديد منذ أيّام، وقد يُرسلون أطفالاً لحرقها ليكونوا “فوق مستوى الشبهات”.