الابتزاز الالكتروني تطبيق مغلوط للحرية… كيف تصبح آمناً؟

راما الجراح

إن كنت تظن أنه لا يمكنك أن تقع ضحية الابتزاز الالكتروني، فربما أنت على خطأ، وإن لم تكن ممن ينشر صوره وفيديوهاته على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تكون صيداً سهلاً لشخص قام باستعادة محتويات هاتفك الخلوي بعد بيعه بكل بساطة. في الآونة الاخيرة انتشرت عدة بيانات صادرة عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عن بلاغات تتضمن تعرض مراهقين وقاصرات للتهديد والابتزاز، وكان آخرها منذ يومين بحيث ورد إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية في وحدة الشرطة القضائية شكوى مقدمة من إحدى الأمهات حول تعرض ابنتها القاصر للابتزاز والتهديد والتشهير من خلال حساب على “انستغرام” باسم “Nanu.merhii” وآخر على “تيك توك” تحت اسم “@nanu.merhi1″، وكان المبتز يهدد الفتاة بنشر صورها في حال لم ترسل له المزيد من الصور غير اللائقة، وعندما كانت تخضع للمبتز وتتجاوب مع مطالبه يطلب المزيد من المال، وقد تم القاء القبض عليه.

ويعرف الابتزاز الإلكتروني (Cyber-extortion) بأنه الحصول على مكاسب مادية أو معلومات، من الأشخاص والشركات بالاكراه عن طريق التهديد بنشر أمور خاصة وبيانات سرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتصل الصور والبيانات الشخصية إلى الشخص المبتز، إما عن طريق اختراق الحسابات الشخصية مثل “فايسبوك” و”إنستغرام”، أو استعادة محتويات الهاتف الجوال بعد بيعه، أو من خلال الضحايا أنفسهم، الذين قد يرسلون صورهم وفيديوهات لهم في أوضاع غير لائقة إلى آخرين مثل صديق أو حبيب، يستغل بدوره ما يمتلكونه من محتوى للتهديد والحصول على ما يريد.

توضح المرشدة النفسية والاجتماعية والاختصاصية التربوية مايا حمزة في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “أسباب انتشار هذه الظاهرة هو التفكك الأسري بمعنى بُعد المرجع الأخلاقي عن حياة هذا المراهق، أي أن هناك معاناة من فراغ بسبب انشغال الأم أو الأب. للأسف السوشيال ميديا أثر بصورة سلبية على عقول الجميع حتى أصبح هناك غياب للمرجعية وتطبيق الحرية بصورة مغلوطة عند المراهق من دون أي حوارات بينه وبين الأهل، ومصادقته على أساس عمره. إذاً يجب تعبئة هذا الفراغ بشقين، الأول المرجعية الأخلاقية الدينية على اختلافها، بحيث يجب أن يكون هناك ارتباط بالدين عند المراهق لردعه أخلاقياً، حتى يصبح لديه خوف من هذه الأمور ووعي أكثر. والشق الثاني هو الرياضي، اذ يجب على الأهل استثمار طاقة أولادهم بالايجابي وفي المكان المناسب، عندها لن يكون لديه وقت للذهاب إلى أمور غير أخلاقية”.

وتشير الى أن “سن المراهقة يمكن أن يكون حتى عمر ٢٣ سنة طالما ليس هناك نضج ووعي كافيان. هذه الفئة هي المستهدفة بصورة مباشرة للتعرض للاستفزاز، وهؤلاء الشباب يقعون ضحية ذلك لأنهم بحاجة الى من يسمعهم ويفهمهم، وهذا هو غياب المرجعية، الحوار، الدين، والمحفزات التي تلهي الانسان، عندها يصبح هناك تفلت داخل الأسرة أو العائلة في حال لم يتم ضبطها”.

وتقول حمزة: “يجب على كل المدارس أن تشدد على التوعية، ودمج مادة جديدة تحت مسمى Ethics وأنا مديرة قسم في إحدى المدارس وأدخلنا هذه المادة على المناهج، وتطبق عملياً على الأرض وكل المواد التي يتم أخذها في المدرسة تضمن الأخلاق، وهنا نحتاج الى تأهيل مجتمعي كامل في البيت، المدرسة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بصورة مجانية لعدم جعل المراهقين تحديداً عرضة للاستفزاز أو التهديد”.

وتضيف: “عندما يكون المراهق مهمشاً نفسياً يقع في فخ الاستفزاز، وهذا النقص يمكن أن يؤدي به إلى أماكن خطيرة، فالكل يتحمل المسؤولية من الأهل إلى المعلم، الادارة، المدرسة والمرجعية. يجب إعطاء حلول لأولادنا بدل التعاطف معهم في حال حصلت أي مشكلة، ويأتي إليّ بصورة شبه يومية شباب وشبابات يعانون من أسلوب التعامل مع أهلهم ويخبرونني بأشياء لا يمكنهم الافصاح عنها أمامهم، وطبعاً هذا خطأ من ناحية الأهل الذين لم يصاحبوا أولادهم، ولهذا السبب تقع الفتاة في فخ الاستفزاز ويقع الشاب كذلك في الحفرة نفسها”.

ومن الناحية النفسية، تشدد في حال تعرض الأولاد لأي تهديد أو استفزاز معين، على “الانتباه اليهم والوقوف إلى جانبهم بالطرق السليمة، لأنهم سيعانون من القلق، الكآبة، والكثير من الاضطرابات، ويجب أن يكونوا تحت العلاج بصورة دائمة، وممكن أن يصلوا إلى مرحلة الإدمان”.

وبالنسبة الى كيفية حماية الحسابات الخاصة وضرورة تأمينها، يقول المتخصص في حماية المعلومات على الشبكات الاجتماعية طه العبد: “هناك عدة أنواع من الحماية لحساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، أولاً يجب وضع نظام الخصوصية على البريد الالكتروني الخاص بنا كيف لا يتم خرقه، وأن نقوم بتحديد الأشخاص الذين يستطيعون رؤية صفحتنا أو صورنا على الفايسبوك أو الانستغرام لنكون بأمان أكثر. وأنصح الجميع بأن يضعوا أرقام هواتفهم الخاصة على حساباتهم ليتم اعلامهم بصورة مباشرة في حال حدوث أي محاولة لسرقتها وبرأيي هذه الطريقة الأكثر أماناً من خلال إرسال “verification code.

ويوضح أن “الكلمة السرية يجب أن تتضمن أقله حرفاً صغيراً، حرفاً كبيراً، أرقاماً، وإشارات. من ناحية أخرى هناك أمر في غاية الأهمية أنه يمكن خرق حساباتنا من خلال روابط يتم إرسالها لنا من حسابات قد تكون بإسم أي شخص نعرفه ولكنه في الحقيقة حساب وهمي”، داعياً الجميع الى “الانتباه من أي رابط غير مفهوم أو غير طبيعي وتجنب فتحه، وعادة تحصل بصورة أكبر من تلفونات الأندرويد. وفي النهاية الانترنت مثل أي وسيلة في العالم ولكن يبقى علينا كيفية التعامل معها واستعمالها بالأسلوب الصحيح والآمن”.

ويشير أحد المحامين الذي تمنى عدم ذكر اسمه الى أنه تولّى ثماني قضايا ابتزاز جنسي وتهديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذا العام “ولكن من أهم الصعوبات عند تولّي ملفّات كهذه أنّ بعض الأشخاص وراء هذه الحسابات التي بمعظمها وهميّة من خارج البلد، ومن ثم فإنّ هناك استحالة لجلب المبتزّ وصعوبة أكثر لمعرفة هويته، والصعوبة الثانية يمكن أن تكمن في حال كان هذا الشخص من لبنان، لكن استعمل طرقاً للتخفي عبر الانترنت أو رقماً هاتفياً أجنبيّاً ما يعقّد الوصول إلى نتيجة”.

شارك المقال