الخوف… سيّد الأمراض و”رفيق” الأزمات

منى مروان العمري

ليس جديداً علينا أن نرى ملامح الخوف على وجوه بعضنا البعض، وليست المرة الأولى التي نعيش فيها هذا الكم الهائل من التخبط في مشاعرنا، فالأزمات تتوالى وتزيد يوماً بعد يوم، ونحن ننتقل من كابوس الى آخر ومن حالة سيئة الى أخرى، بينما نطمئن أنفسنا بالقول “الايام الجاي أحلى”، “أزمة وبتمرق” “بدها شوية نفس”.

القصة بـ”التراكمات”

الخوف ميزة فُطر عليها اللبنانيون، وتوالدت من رحم الأزمات السياسية والاقتصادية التي حلّت بالبلد منذ العام 2019 حتى اليوم، والتي أثرت ببؤسها الشديد عليهم وحفرت في ذاكرتهم شريطاً من المأساة لا يمكن نسيانه أو تخطّيه، ولأن تاريخ لبنان يحفل بالمشكلات وعدم الاستقرار فهذا كافٍ ربما لتصل حالتهم النفسية الى هذا المستوى من الخوف والقلق، حتى أصبح المواطن هشاً أكثر، وكل ما سبق في كفّة وصولاً الى ما نعيشه اليوم في بلد غير آمن في كفة ثانية.

مستقبل مجهول 

الأمهات في لبنان لا يذقن طعم النوم، يتفقدن أولادهن كل ليلة، لا تغمض جفونهن ولا يبرد قلبهن ولا تنطفئ النار داخلهن، بعد كل مشهدٍ دامٍ وقاسٍ يرونه، أو بعد كل حادثة يسمعون عنها، وبعد كل رصاصة تطلق في الهواء فالفزع مسيطر لا محالة، ولا مهربمن كل الأفكار السلبية.

يقول سائق سيارة عمومي – من سكان بيروت: “الليلة التي قصفت فيها قوات الاحتلال مستشفى المعمداني في قطاع غزة، لم تنم زوجتي وهي تتفقد الأولاد باستمرار خوفاً من أن يعيشوا المصير نفسه، وهي منذ تلك الليلة الى اليوم تسألني هل سنموت اذا وقعت حرب؟ ماذا سنفعل؟ الى أين سنهرب؟ ما الذي سيحصل لأولادنا اذا متنا؟”.

ويضيف: “في ليلة أخرى حصل اطلاق رصاص كثيف في بيروت بسبب القصف الكبير الذي تعرضت له غزة، هرعنا لتفقد غرفة الأولاد والاطمئنان عليهم من شدة الخوف. ومنذ بداية الحرب على غزة لم ننم ليلة كاملة على ما يرام بل يرافقنا دائماً الخوف والقلق من أن نلقى المصير نفسه وأن نخسر عائلاتنا اذا اندلعت حرب في لبنان”.

وتشير إحدى الامهات – وهي طبيبة في أحد المستشفيات – الى أن “الوضع مثير للقلق منذ وقت طويل، وكل أزمة تلحق باللبناني تفتك بروحه وتنخر في عظمه وتأكل من نفسه، والخوف هنا هو سيّد الأمراض، فخوفنا محاصر من فكرة المستقبل المجهول لأولادنا في هذا البلد، وما الذي سيعيشونه من تتابع لأزمات أكبر وأوسع تنتظرهم في الأيام المقبلة”. وتقول: “بعد منتصف الليل عدت الى البيت من عملي، ولم أرَ أطفالي بعد، أركض أنا وزوجي ليل نهار لنؤمن لأطفالنا معيشة كريمة في وقت لا نضمن لهم مستقبلاً جيداً في هذا البلد. الخوف واحد والمتاعب ثقيلة وكل الناس تعاني من الواقع نفسه”.

وقوع الأسوأ أفضل من انتظاره؟ 

تقؤكد المعالجة النفسية جيزيل نادر لموقع “لبنان الكبير” أن “حدوث الأسوأ أفضل من انتظاره، لأن انتظار الأسوأ يسبب الكثير من المشكلات النفسية والجسدية للأفراد وهذا ما يرفع مستوى الخوف والقلق بسبب التفكير الدائم في حدوث الأمر. والأهل هم أكثر الأشخاص قلقاً في المجتمع والقلق ينتقل منهم الى أطفالهم كونهم يمتصون الحالة النفسية والأجواء العامة في البيت، بسبب كثرة وقوع الكوارث سواء الطبيعية أو المفتعلة بالاضافة الى حالة التأهب اليوم لحرب جديدة، ما يزيد القلق لديهم وبالتالي يؤثر بصورة مباشرة على الأطفال”.

وتنصح نادر بـ “عدم المبالغة في الشيئ أي عدم المبالغة في متابعة الأخبار وخصوصا المرئية منها وتجنب مشاهدة المقاطع الدامية لأنها ترسخ في الدماغ وترفع نسبة الخوف بصورة كبيرة، وعدم التحدث عن مجريات الأحداث أمام الأطفال بل الحرص على احتوائهم وحمايتهم من هذه المشاهد والأخبار المثيرة للخوف والقلق”.

أما المعالجة النفسية كارلا عساف فتوضح لموقع “لبنان الكبير” أن “نسبة الخوف والقلق أصبحت مرتفعة جداً وبصورة ملحوظة لدى الأطفال بعد انفجار مرفأ بيروت”، مشيرة الى أن “أكثر الأشخاص الذين لديهم حالة من الخوف هم الذين عاشوا الحرب ومأساتها وانتقل هذا الخوف الى أولادهم”.

تؤدي حالة الخوف الى تشتت ذهني وخربطة في التركيز وعدم الانتباه وعصبية زائدة وعدم القدرة على النوم، اما الخوف المنتقل الى الأطفال فيؤثر بالدرجة الأولى على دراستهم ومستواهم الأكاديمي وكفاءتهم ويشتت أفكارهم.

شارك المقال