طرابلس: حرمان نور الكهرباء … وتقنين ضوء المولدات

إسراء ديب
إسراء ديب

لا تنتهي فصول إهمال القوى الرسمية لأهالي طرابلس والشمال، فبعد أن اعتادوا كما غيرهم من المواطنين على تقنين الكهرباء القاسي، بدؤوا في مواجهة تقنين من نوع آخر، كان قد واجهه في فصل الصيف الماضي، وهو تقنين “الاشتراك” اذ تعود هذه الازمة اليوم الى الواجهة وتتقدم خطوة بخطوة، لتمهد المستقبل المظلم.

سئم الطرابلسيون من انقطاع التيّار الكهربائي، اذ زاد تراجع ساعات التغذية من مؤسسة كهرباء لبنان من مآسيهم، مع قرار بعض أصحاب المولّدات الاستسلام معلنًا تراجع خدماته بشكلٍ واضح، فيما البعض الآخر بدأ ” يُكشر” عن أنيابه لفرض زيادات غير محمولة، بالقول انه يقوم بدراسة للأزمة بعد الانفلات والارتفاع المتنامي لأسعار المشتقات النفطية عالميًا وسعر صرف الدولار محلّيًا وانعكاسهما على السوق الداخلي، لا سيما على سعر المازوت.

وقد شهدت مناطق عدّة في المدينة مؤخرًا، انقطاعًا للاشتراك يصل إلى 3 ساعات خلال النهار، والبعض يقطعه طيلة الليل من دون إبلاغ المواطنين عن الأسباب وتحديد الأوقات، فالتفاصيل سر من اسرار أصحاب المولدات الذين يتحكمون بقرارات التقنين الفجائي، ومع ذلك تزداد بدلات الاشتراكات الشهرية والصرف، دون الالتزام بالتسعيرة الرسمية، فلكل صاحب مولد سقفه ولائحة أسعاره.

“لبنان الكبير” يضىء على هذه المشكلة من خلال عرض مشكلات الأهالي وأصحاب المولدات.

الأهالي يعجزون عن الدفع

لم يعد كريم ( 32 عامًا) وهو متزوج ولديه طفلان، يكترث بموضوع الكهرباء على الرّغم من حاجته إليها، ولكنّه في الوقت عينه يستغرب ويقول: “فعليًا، هل هناك كهرباء في لبنان؟”، موضحا ان صاحب المولّد الذي يتعامل معه لم يحدثه “عن موضوع التقنين، فهو يقوم مباشرة بإطفاء المحرّك صباحًا ثمّ يعود لإطفائه ليلًا، ولكنّ الفاتورة تضاعفت قيمتها وأنا بالطبع سأكون عاجزًا عن دفع حتى نصفها”.

ويُؤكد أنّ معظم جيرانه يعيشون حاليًا بلا اشتراك، لافتا الى أنّ “الكثير منهم لم يتمكّن من دفع فاتورة الاشتراك منذ أكثر من 7 أشهر، وذلك لسوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية”.

تعيش هدى جمعة (إم أديب- 57 عامًا) في حيّ سوق السمك، وتلفت إلى أنّها تأخذ من جارتها خطًا للإشتراك الكهربائي. وتقول: “أنا عاجزة عن شراء دواء الضغط وغيره من الأدوية التي أحتاجها، فكيف سأدفع لجارتي تكلفة هذا الاشتراك؟ لا سيما وأنّها طلبت منّي المزيد هذا الشهر. وإذا لم أدفع الفاتورة سوف أعيش في ظلمة أكثر من ظلمة الحياة القاسية التي أعيش فيها، فأنا أحتاج للاشتراك لإنارة منزلي الصغير، فليس لديّ غسالة أو براد كيّ أخاف على الأجهزة الكهربائية بل أريد الاشتراك لإنارة المنزل فحسب”.

من جهته، يُؤكّد جابر( 28 عامًا) وهو صاحب متجر للألبسة والعباءات في سوق البازركان أنّ “الاشتراك يتمّ قطعه زهاء الساعتين، ولكن لم يبلغه صاحب الاشتراك بأيّ من تفاصيل التقنين أو غيره”.

كذلك تؤكد سمر( 20 عامًا) التي تسكن في أبي سمراء، أنّ “الاشتراك لا يدوم طويلًا ويتمّ قطعه ولكن صاحب المولّد لم يبلغ أهلها بأيّة تفاصيل عن التقنين، بل أخبرهم أنّ الفاتورة ستزيد هذا الشهر وكذلك في الأشهر المقبلة”.

حالات إنسانية في العتمة

لا تخفى النتائج والتداعيات الكارثية التي قد يُحدثها “تقنين الاشتراك” على الكثير من المواطنين، فمن نفذ هذه الإجراءات الجديدة ربما خفيت عنه مصالح الأفراد الذين يرون أنّ الاشتراك يبقى “المتنفس” الوحيد بعد تراجع التغذية الكهربائية من مؤسسة كهرباء لبنان. ولا يُمكن الإغفال عن حاجة الناس الملحة للطاقة الكهربائية في ظلّ انتشار وباء كورونا وغيره من الأمراض أو الحاجات التي تستدعي وجود التيار الكهربائي.

إم أحمد( 57 عامًا) والتي تسكن في بخعون- الضنية تُعاني من سرطان العظام وهي بحاجة ماسة إلى المدفأة الكهربائية، ولكن بعد انقطاع الكهرباء بشكلٍ متكرّر، اضطرت لشراء “صوبيا” تعمل على المازوت، لتقع في مشكلة أكبر وهي غياب أو نقص هذه المادّة من السوق مؤخرًا. ويسأل ابنها أحمد قائلًا: “أتمكّن من تأمين المازوت لوالدتي بسبب معرفتي بأحد أصحاب محطات الوقود، ولكن ثمة آخرين لا يتمكّنون من تأمين هذه المادّة، ويُواجهون مشكلة أكبر بسبب تقنين الاشتراك والكهرباء أيضًا”.

أمّا أم عبدالله ( 78 عامًا) فهي تحتاج بشكلٍ كبير إلى المصعد الكهربائي، وتُعبّر عن مأساتها الكبيرة التي تُواجهها بسبب عدم قدرتها على الذهاب إلى الأطباء بشكلٍ دوري بسبب مشكلة الكهرباء والاشتراك، فيما لا يتمكّن أبو أسعد( 66 عامًا) من تحمّل انقطاع الاشتراك، بسبب حاجته إلى  جهاز التنفس الاصطناعي، ويقول: “اقترحوا عيلنا استخدام بديل وهو جرة الغاز المكلفة جدًا، وتصل تكلفتها إلى 150 دولار وتكاد تكفي لـ 6 ساعات تقريبًا كحدّ أقصى، وفي حال غابت الكهرباء هل يُمكنني التحمّل أكثر أو سأموت من الاختناق؟”.

المولّدات الكهربائية إلى الانتحار

في السياق، اعتبر ماهر بكير وهو صاحب مولد يعمل في محيط المناطق الشعبية الطرابلسية مثل محرّم ـــ محيط جامع طينال. أنّ “كلمة تقنين ليست دقيقة، بل نحن نواجه أزمة إضافية على لبنان إذ يتخطى قطع الكهرباء من شركة كهرباء لبنان الـ 20 ساعة”، موضحًا أنّ كلمة “استراحة المحرّك” أو “الموتير” كما هو رائج، هي مصطلح دقيق أكثر، وذلك نظرًا لضرورة إعطاء استراحة لساعات معيّنة للمحرّك الذي يعمل على تأمين الكهرباء للمواطنين”.

ويوضح باكير:” حقيقة الأمر أنّ هناك أزمة مولّدات ولا نتمكّن من جعله نشطًا طوال الوقت فهناك شهريًا 600 ساعة قطع، قدّمنا منها 560 ساعة كالشهر الماضي”.

ويعتبر أنّ “كثرة تشغيل المحرّك تُؤدّي إلى كثرة الأعطال ولا نتمكّن فعليًا في الآونة الأخيرة من تحمّل عبء التصليحات، وذلك نظرًا لتهريب الزيت من المحرّك بسبب كثرة العمل والضغط عليه”، مشيرًا إلى أنّه “في حال أراد شراء محرّك آخر جديد فسيحتاج إلى ما يُقارب الـ 20 أو الـ 30 ألف دولار”. موضحًا أنّ “قدرة المولّدات تنعدم وتتجه إلى الانتحار وبعض القرى أطفأت محرّكاتها”.

ويشير الى أنّ “مادّة المازوت باتت مطلوبة بشكلٍ كبير في الآونة الأخيرة”، معتبرًا أنّهم “ملتزمون بضرورة تأمين هذه المادّة المسعرّة بالدولار كذلك الزيت الذي بات بحاجة إلى التغيير مرتين شهريًا وليس مرة واحدة مقارنة بالفترات السابقة”.

 وتبقى المناطق الشعبية حساسة جدًا ولها حيثية كبيرة مقارنة بمناطق أخرى في المدينة، وهذا ما يُؤكّد باكير ” فأيّ خطأ لا بدّ من تحمّل مسؤوليته”.

أما عن الأسعار، فيوضح انه يطلب 220 ألف ليرة من مستخدمي الـ 5 أمبير، ولكنّه يلفت إلى أنّه “دائمًا ما يتلقّى أقلّ من هذه القيمة، فنحن نشعر بالناس ومعاناتهم ونُدرك تمامًا مشكلات البعض وندرك أيضًا تأثير غياب الدّولة عن مناطقنا والذي تخطّى الـ 85 بالمائة في ظلمٍ واضح للمواطنين”.

وعن العناصر التي تنعكس على عمل المولدات، يقول: “تراجع ساعات التغذية من كهرباء لبنان وارتفاع سعر الدولار وارتفاع سعر المازوت، هي من أبرز العناصر المؤثرة على كلّ الخدمات عمومًا”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً