“تيك توك”… منصة ترفيهية أم تخريبية؟

عمر عبدالباقي

في السنوات الأخيرة، شهدت منصة “تيك توك (TikTok)” المالكة لشركة صينية ظهوراً مذهلاً وانتشاراً سريعاً يهز الأسس الاجتماعية والتواصلية. هذه المنصة الرقمية الشهيرة، التي تعتمد على مقاطع الفيديو القصيرة والمحتوى الترفيهي، أثارت ضجة كبيرة وأشعلت نقاشات ساخنة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، فإن النقاشات الجارية حول تأثيراتها لم تقتصر على الجوانب الإبداعية والترفيهية وحسب، بل تعكس أيضاً حالة من الفوضى والآفة الاجتماعية “الأخلاقية” التي دخلت فيها المجتمعات الحديثة.

تعكس “تيك توك” كمنصة ترفيهية، بلا شك، جانباً إيجابياً من التكنولوجيا الحديثة والتفاعل الابداعي للمستخدمين. وتوفر فرصة للأفراد للتعبير عن أنفسهم بطرق مبتكرة وإلهامية، وتشجع على التواصل والتفاعل الاجتماعي على مستوى عالمي، إضافة إلى أنها أسهمت في إبراز مواهب عديدة غير مكتشفة.

لا يمكن إغفال الجوانب السلبية والتحديات التي ترتبط بـ “تيك توك”، فقد رافق هذه المنصة النمو السريع جداً من حالات الانحراف والتدني في المستوى الأخلاقي لبعض المحتوى المنشور، فتميل بعض المقاطع الفيديوية إلى الاساءة الى الآخرين، وبعضها يحتوي على محتوى غير لائق. لذا، تواجه تحديات في ما يتعلق بضوابطها ومراقبة المحتوى. وعلى الرغم من أن هذه المشكلة تواجهها جميع منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنها تبدو متفاقمة خصوصاً على “تيك توك”، فالمحتوى الذي يشتمل على كلمات نابية وأفكار عديمة الأخلاق والتعري والايحاءات الجنسية يجذب تفاعلاً كبيراً من المستخدمين، الذين يعتبرون ذلك ترفيهاً ويتفاعلون معه لزيادة شعبيته.

يقول أحد مستخدمين هذا التطبيق أو بحسب ما يعرف باسم “تيكتوكر” محمد أبو العاطي لموقع “لبنان الكبير”: “حققت أشياء لم أكن أتصورها بسبب تيك توك وتحسنت حالتي المادية بصورة لافتة صراحة، فمثلاً من خلال ما جنيته استطعت تركيب الطاقة الشمسية لمنزلي وتحقيق كل احتياجاتي الشخصية وبمساعدة أهلي طبعاً، وهذا ما كنت محروماً منه قبل دخولي على تيك توك. والناس تحب الانتقاد كثيراً في هذا الموضوع لكن لا يهمني وهذا رزقي ويعتبر عملاً أيضاً”.

وعن التحديات والأحكام الغريبة في “تيك توك”، يعتبر أبو العاطي أن “ما نفعله يرسم ابتسامة للناس ويسعدها، ونحن لا نؤدي أحداً بل بالعكس هناك العديد ممن يشجعونني على أن أستمر”.

ما يميز “تيك توك” عن غيره

يشير المتخصص في المجال الرقمي عمار الخالد لموقع “لبنان الكبير” الى أن “هذا التطبيق يتمتع بميزة فريدة تتمثل في نطاق الوصول الواسع (Reach) أي نسبة وصول أعلى، فالفيديو المنشور قادر على الوصول الى عدد أكبر من الناس وبالتالي يخلق تفاعلاً أكبر من المتابعين. ويعتبر هذا النطاق الواسع أحد العوامل الرئيسة التي تميزه عن منصات أخرى.

ويوضح أن “هذا التطبيق يستخلص الربح من جانبين مختلفين، يأتي جانب الربح الأول من خلال الاحتفاظ بالمحتوى المنشور، بحيث يتم دعم مقدمي المحتوى مالياً عبر التعويض المادي عند تحقيق نقاط الدعم المحددة على الفيديوهات. والجانب الثاني من الربح يأتي من خلال البث المباشر، بحيث يتضمن تحديات مثيرة للاهتمام تشجع المستخدمين على دعم الرواد المفضلين لديهم من خلال المساهمة المالية لمساعدتهم في الفوز في هذه التحديات. ولشركة تيك توك نسبة 70 بالمئة من أرباح المستخدم وهي نسبياً نسبة عالية تتلقاها. وبهذه الطرق المبتكرة، ينجح التطبيق في تحقيق نجاح مالي وجذب جمهور كبير، وهو ما يجعله الرقم واحد بين جميع المنصات على التواصل الاجتماعي”.

تأثير “تيك توك” النفسي

تنشأ في منصة “تيك توك” ظاهرة اجتماعية جديدة تتمثل في الظهور على البث المباشر، وهي خاصية تتيح للمستخدمين الحصول على ألف متابع أو أكثر وفتح بث مباشر للتفاعل مع الجمهور. يتم تنظيم هذا البث عادةً على شكل تحديات ترفيهية بالتعاون مع مستخدمين آخرين يعرفون بـ “تيكتوكرز”. هدف هذه التحديات هو جمع الأموال من خلال دعم المتابعين الذين يساهمون مالياً. وتتجسد هذه الظاهرة في التوجه الى الداعم لكي يدعم بما يستطيع والأسلوب في اقناعه هو الهدف وما يثير الجدل.

تشهد المنصة ظاهرة مثيرة للدهشة بحيث يقوم بعض المستخدمين الـ”تيكتوكرز” بطرق غريبة لكسب المال. على سبيل المثال، يمكن رؤية أحد الأشخاص يقوم ببث مباشر أثناء وجوده في المرحاض وهو يستحم ويطلق تعابير غريبة وغير مألوفة، وآخر يصفر من خلال أسنانه ليتحول إلى طفل رضيع وينطق بعبارات يعتادها الأطفال الصغار، ناهيك عن موضوع التحديات التي تكون بين اثنين والحكم تأتي على أشكال أغرب وأفظع.

وهنا يطرح السؤال: هل يجب على الآباء أن يشعروا بالطمأنينة عند ترك أطفالهم مع هذه المنصة؟

المتخصصة في العلاج النفسي السلوكي المعرفي والمعالجة النفسية الدكتورة نورما الحلو بيطار تجيب عن هذا السؤال لموقع “لبنان الكبير” بالقول: “تأثر الأطفال والمراهقين بهؤلاء التيكتوكرز يعد أمراً خطراً، اذ يتابعون محتوى منشورات المستخدمين المشهورين في التطبيق والذين يشاركون في التحديات والألعاب. وهذا التأثير يمكن أن يكون مشكلة خطيرة تؤثر على مستقبل هؤلاء الأطفال الذين يحتاجون إلى تلبية احتياجاتهم الخاصة والتي تتم تلبيتها من خلال استخدام تطبيق يحتوي على محتوى هش وفارغ، وأحياناً حتى غير أخلاقي. وهذا الوضع ينتج جيلاً فارغاً اجتماعياً ومعرفياً، وبالطبع نفسياً”.

وتؤكد البيطار “نحن فعلياً في حالة خطرة جدياً على أطفالنا وجيلنا، وإذا لم نبتكر حلولاً فورية، فإن المخاطر ستتزايد. ويتطلب الأمر منا كمربين وأولياء أمور ونفسيين أن نواجه هذا التحدي بصورة جدية. لا يمكننا إنكار أن هذا التطبيق كان ولا يزال مصدراً لجذب فئات مجتمعية مختلفة، وفي الوقت نفسه، لديه تأثير متباين على الفئات المختلفة. إن تأثيره ليس محدوداً، بل هو تأثير شامل. ومنذ تعلق هذا التطبيق بمحتوى غير لائق، سواء كان ذلك بالمشاركات أو الأغاني أو الصور وغيرها، فإنه يؤثر بصورة كبيرة على النتائج الاجتماعية والأكاديمية والانتاجية والمهنية للأفراد”.

وتضيف: “واجه العديد من الأشخاص حالات اكتئاب بسبب هذا التطبيق، لشعورهم بالفشل وعدم القدرة على التأقلم والأداء، وهذا يعود إلى الوقت الكبير الذي يستهلكه التطبيق. وبالتالي، فإن هؤلاء الأشخاص فشلوا في التركيز على تحقيق النجاح في المجالات البعيدة عن هذا التطبيق. ولا ننسى التعرض للتنمر، الذي قد يؤدي حتى إلى حالات الانتحار. فهذا التطبيق فعلياً يخلق تحديات كبيرة، لأنه يرتبط بالتواصل الاجتماعي، وهذا يؤثر على جميع المستخدمين بغض النظر عن أعمارهم وقدرتهم على التأثير عليه. فكلما كانت المشاركة على هذا التطبيق أكثر فاعلية، كان لها تأثير أكبر في تقليل التواصل الحقيقي. وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى الانطواء والاكتئاب والشعور بالخوف والضياع لدى المستخدمين”.

شارك المقال