الشمال في “مهبّ العاصفة”… اللواء خير: نكشف عن الأضرار وننقذ ما يُمكن إنقاذه

إسراء ديب
إسراء ديب

أثارت الأمطار الغزيرة هلع أهالي الشمال بعد تحوّل طرقهم إلى بحيرات يصعُب تجاوزها والتعامل معها، في وقتٍ كانت سجّلت فيه محافظة عكار تحديداً “كارثة” سنوية ناتجة عن غرق بعض مناطقها وطرقها بالسيول التي أدّت إلى فيضان مجرى النهر الكبير بعد ارتفاع منسوبه في منطقة وادي خالد الحدودية، ما خلّف أضراراً جسيمة تساءل الكثير من المواطنين عن كيفية تعويضهم عن خسارتها بحلول العاصفة لا سيما في هذه الظروف القاسية مادّياً واجتماعياً.

في الواقع، لا ينفي الأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء الركن محمّد خير أهمّية التدخل “الرسميّ” بعد هذه العاصفة التي أغرقت الطرق، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “نقوم بالكشف عن الأضرار بالامكانات المتاحة أمامنا، وبإنقاذ ما يُمكن إنقاذه عبر فتح المجارير والطرق، وإزالة النفايات كي لا تصطدم بالمجارير عبر التنظيف، ودعم البلديات في الدرجة الأولى. أمّا في الدرجة الثانية فسنركّز على مجلس الوزراء، بحيث سنطلب مسح الأضرار وهو طلب يحتاج إلى قرار من المجلس، إذْ سنباشر بالمسح فوراً عقب الحصول على موافقة منه”.

عكار

ومن عكّار التي أغرقتها السيول، يُؤكّد مصدر بلدي أنّ ارتفاع منسوب مياه النّهر الكبير يُعدّ أمراً روتينياً يتكرّر بصورة سنوية، موضحاً أنّ الأكثر تضرّراً من هذا الفيضان هي منطقة البقيعة وبلدة خطّ البترول الحدودية.

ويقول لـ “لبنان الكبير”: “لا يُمكن إحصاء الأضرار في الوقت الحالي لأنّها كبيرة، لا سيما تلك التي ضربت منطقة البقيعة التي تُعدّ سهلية وزراعية قريبة من النهر وفيها الكثير من البيوت المحاذية للمياه وقامت سوريا منذ فترة بوضع ساتر بارتفاع ثلاثة أمتار من جهتها عليها، فيما بقيت المنطقة لدينا مكشوفة من الجهة اللبنانية، ما يُفسّر سبب دخول المياه بهذه الطريقة إلى المنازل، السيارات والبيوت البلاستيكية ما دمّر المحاصيل الزراعية، ودفع بالتراكتور ليكون الوسيلة الوحيدة الآمنة لنقل المواطنين مع تدخل الدفاع المدني الذي لم يُقصّر في هذه المهمّة”.

ويُوضح المصدر الذي يتحدّث من وادي خالد، أنّ النهر كان يفيض سنوياً، “لكن ضرره أقلّ حينما كان مكشوفاً، أمّا الآن وفي ظلّ تسجيل إهمال واضح من الدّولة اللبنانية للمناطق الشماليّة منذ أعوام، فتتضّح خطورة هذه العاصفة على بعض المناطق التي لا يُمكن لوم الأمطار على ما يحدث فيها، فلا ننسى أنّها تُواجه مشكلة مصدرها الشعب وقائمة على اجتياح النفايات لطرقها ومياهها، كما منازلها ومزروعاتها، ما سيُصعّب أعمال إزالتها وتنظيفها”، مطالباً بضرورة إيجاد حلّ بيئي جذريّ للحدّ من فيضان النهر لحماية السكان ولتوفير حجم التمويل الذي يُهدر سنوياً للتعويض، “فمن الأفضل إعداد دارسة لتوسيع مجرى النهر، تنظيفه، أو بناء جدران معيّنة عنده”.

وكانت السيول قد اقتحمت ممتلكات المزارعين في بلدات محاذية للنهر مثل: حكر الضاهري، السماقية، العريضة والمسعودية، في وقتٍ كان سجّل الصيّادون في العريضة والعبدة اعتراضاً عقب أضرار ضربت مراكبهم بسبب العاصفة التي رأوها “قوية للغاية”، فيما عمل عناصر الدّفاع المدنيّ منذ الساعة السادسة صباحاً على إنقاذ المواطنين وسحب مياه السيول التي أغرقت طرقاً، منازل، ومحال الناس التجارية في كلّ من العبدة، منيارة والكنيسة، بالتزامن مع إنقاذهم ثمانية أطفال وامرأة مسنّة من منزل اجتاحته السيول في العبدة، مع إخلاء منازل ومبان سكنية خوفاً على حياة قاطنيها.

طرابلس والميناء

تظهر بصورة واضحة الأضرار التي نجمت عن العاصفة في طرابلس، وكذلك في الميناء والمنية حيث حاصرت السيول السيارات والمواطنين الذين استنكروا الاهمال الذي يُؤدّي إلى سيطرة “البحيرات” على الطرق.

وفي طرابلس، يُؤكّد متابعون أنّ الأمطار الغزيرة التي أقلقت المواطنين، كانت تسبّبت بانهيار سقف منزل في ساحة الدفتردار على رأس قاطنيه، الأمر الذي أدّى إلى سقوط الجريحة (س.س.) التي نقلت إلى مستشفى طرابلس الحكومي بعد تعرّضها لكسر في ظهرها واستقرّت حالتها فيما بعد.

بينما سُجّل في الميناء الضرر الأكبر، وتحديداً بعد عرقلة المياه (التي ارتفع منسوبها) وصول موظفي شركة كهرباء قاديشا إلى مبنى شركتهم الذي تجمّعت أمامه ما وصفه الموظفون بـ “الشلالات”، لتتدخل فيما بعد ورش الطوارئ في بلدية الميناء التي تحرّكت لمساعدتهم ولإنقاذ أصحاب المنازل والمحال التجارية التي غرقت بالسيول، وذلك وسط استياء شعبيّ دفع المواطنين إلى مناشدة وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي التدخل سريعاً.

وبعد انتقاد بعض “الميناويين” عمل البلدية والحديث عن تقصير طرأ في سحب المياه والتنظيف المستمرّ، ردّت البلدية ببيان أكّدت فيه أنّها “تواكب العاصفة ميدانياً وعبر مختلف أجهزتها، وعند كلّ اتصال يردها من المواطنين، وذلك من خلال ورشة تعمل على فتح مجارير المياه، وفتح الطريق من شارع مؤسسة قاديشا مروراً بمفرق شارع الميتين وصولاً إلى نهاية طريق المرفأ، موضحة أنّها تعمل ضمن الامكانات والظروف التي تمرّ فيها ليس بلدية الميناء وحسب، وإنّما جميع البلديات.

من هنا، يُذكّر عضو المجلس البلديّ السابق المهندس رامي الصايغ بأنّ عمّال بلدية الميناء يعملون باللحم الحيّ، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “بما أنّ الصندوق البلديّ يُساوي صفراً، والعامل يتقاضى معاشاً يتراوح بين 120 و140 دولاراً فقط في عزّ أزمة اقتصادية لا مثيل لها، لا يُمكن لوم بلدية الميناء وهي لا تملك المال الكافي أو الآليات المناسبة أو كمّية المازوت المطلوبة لإنقاذ المواطنين وإزاحة الأذى عنهم”.

ويرى الصايغ أنّ النقاش القادم سيكون مرتكزاً على كمّية المتساقطات التي هطلت في العاصفة وهي كبيرة للغاية ولا يُمكن إحصاؤها حتّى اللحظة، مشدّداً على أنّ الثغرات الموجودة (وهي لا تقتصر على ميدان دون آخر)، أدّت إلى حصول هذه الأزمة.

وعن الثغرات، يتحدّث الصايغ عن العديد منها أبرزها: عدم تأهيل البنى التحتية وتقادمها في الميناء، بحيث تعتمد هذه المدينة على مجارير تعود الى العهد الفرنسي، “وما تمّ تغييره بعدها، كان مجرّد ترقيع وما تحت الأرض يكشف الحقيقة، لا سيما حين نرى أنّ مياه الصرف الصحي تتداخل مع مياه الأمطار، وهذا ما يزيد الطّين بلّة خصوصاً مع الضغط السكاني ومع عرقلة مشاريع معنية بمواضيع الصرف الصحي ومياه الأمطار من وزارة الأشغال العامّة والنقل منذ سنوات، فضلاً عن تقصير مجلس الانماء والاعمار”.

ولا تقتصر الاشكالية على البنى التحتية، بل تشمل اليد العاملة التي لا يُمكنها العمل في وقتٍ لا يتقاضى فيه العمال رواتبهم أو يتمّ تأخير حصولهم عليها، وفي الوقت نفسه لا ينكر أحد أنّ “ثقافة المجتمع الذي يرى أنّ الريغار مكب للنفايات تُعدّ من أكبر المشكلات: الأكياس أو الأوساخ التي ترمى في المجارير، قطع الأشجار من بعض الجمعيات وعدم رميها مباشرة فتأتي الأمطار لتُقفل معها المجارير… وغيرها من العوامل التي لا تتحمّل جهة واحدة مسؤوليتها”.

شارك المقال