رمضان طرابلس … قرع الطبول لجلب الفرح

إسراء ديب
إسراء ديب

تغيرت معالم الحياة في طرابلس مع حلول شهر رمضان، وعادت الطقوس الرمضانية المعتادة إلى الواجهة من جديد.

عاصمة الشمال هذا العام، لم تتمكّن من استقبال الشهر الفضيل كما اعتادت دومًا، أيّ بالمفرقعات النارية والزينة التي كانت تُشكّل نقطة تحوّل في مظهر المدينة، لا سيما عند مداخلها، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد وارتفاع ثمن هذه المستلزمات، مع ارتفاع سعر صرف الدولار واستغلال الكثير من التجار حدّة الأزمة. ولكنّ طرابلس ما زالت متمسّكة بطقوسها الخاصّة التي لم تتخلّ عنها رغم التقدّم التكنولوجي، وباتت كلّ أحداث الحياة اليومية فيها مرتبطة بهذا الشهر.

ما زال أهالي المدينة ينتظرون “المسحّراتي” الذي يجول في طرقاتها بدءًا من ليلة اليوم الأول في شهر رمضان حتّى اليوم ما قبل الأخير، بهدف إيقاظ النائمين للسحور، كما ينتظرون وبفارغ الصبر طواف الوداع في نهاية شهر رمضان الذي يجمع الصدقات من الناس والمنازل، فضلًا عن كثرة بائعي الخروب والتوت والمغربية، والحلويات الرمضانية المعروفة أبرزها “الكلّاج”… وغيرها من الطقوس التقليدية.

وعلى الرّغم من الأزمة الاقتصادية التي أثرت على الدخل والقدرة الشرائية لدى المواطنين، يحرص أهالي المدينة بكلّ عزم على التمسّك بهذه الطقوس وعلى إحيائها في ظلّ شبح الفقر الذي يُخيّم عليهم.

الأسعار “نار نار نار”

قد تكون زحمة الأسواق الشعبية القديمة خير شاهد على إقبال المواطنين على شراء المواد الغذائية المختلفة وحاجاتهم كافّة. ومَن يجول في هذه الشوارع لا يسمع من المارّة سوى الكلمات التي تُعبّر عن دهشتهم من جهة، كما امتعاضهم من جهة ثانية من الارتفاع الجنوني للأسعار.

وتقول سمر: “لقد عانينا العام الماضي من ارتفاع الأسعار، ولكن ّ الأوضاع كانت أفضل ممّا هي عليه حاليًا. أمّا اليوم فنحن عاجزون فعليًا… سنعجز هذه السنة بالتأكيد عن شراء الحلويات أو مكوّنات “المعمول”، ولكن لا يهمّ. نحمد الله على كلّ حال. كما أنّ لرمضان بركة مقدّسة لا تُقدّر بثمن، وأنا كلّي ثقة أنّنا سنتحمّل تداعيات هذه الأزمة في هذا الشهر… أمّا بعد رمضان، فـ” الله لا يسامحهم”.

ويُعبّر أبو خالد، وهو بائع خضار، عن غضبه من الوضع الراهن، مؤكّدًا أنّه يشعر بمعاناة الناس في هذا الشهر، ويقول: “الطرابلسيون يحرمون أنفسهم من حاجات كثيرة، ولكنّهم في الوقت عينه يقومون بشراء ما يلزمهم، فمثلًا هناك من يطلب منّي أن أبيعه كمّية من الحامض بألف ليرة فقط، كما تعمد إحداهنّ إلى شراء كيلو بطاطا فقط لأكثر من 8 أشخاص، وأنا لا أمانع بإعطائهم المزيد، فنحن نعلم معنى الحرمان فعليًا”، مشيرًا إلى وجود “إقبال ملحوظ للناس على الأسواق في هذا الشهر، ولكن عملية الشراء تبقى محدودة للغاية”.

كما يُشير أحمد (وهو جزّار/ لحّام) إلى إقبال الناس على شراء اللحوم مهما كان ثمنها في أوّل يوم من شهر رمضان، ولكنّ الإقبال تراجع بشكلٍ ملحوظ في اليوم الثاني من الشهر.

من جهته، يستعدّ أبو قاسم لاستقبال رمضان على “الخبزة والزيتونة”، ويشتكي من تردّي الوضع الاقتصادي الكبير، ويقول: “عندي 12 ولداً… وضعت أكثر من 3 منهم في الأيتام، وحاليًا لن نأكل في رمضان سوى الخبز مع الزيتون على أمل أن يبقى سعر الخبز في لبنان مستقرًا، وألّا يستغلّ بعض التجار هذه الأزمة لزيادة عبء الحياة القاسية علينا”.

أمّا سمير فيُؤكّد أنّ “الأوضاع الاقتصادية قلبت الأمور رأسًا على عقب”، موضحًا: “أنّ المدينة تحيي طقوس رمضان” على اللحم الحيّ، ولكن ما يُميّز طرابلس أنّها تُبدي فرحًا بهذه الصعوبات، فعليًا هم مؤمنون ويمتازون بالبساطة وطيبة القلب… وهم ينتظرون الفرح بل يخلقون الفرح رغم المآسي والإرهاق”.

ليس مبالغة فعليًا القول أنّ أهالي طرابلس “يخلقون” الفرح رغم كلّ الظروف. ففي أوّل أيّام هذا الشهر، تمكّن بعض الشبان من قرع الطبول بين الناس ووضع الأناشيد لنشر الفرح بينهم ولاستشعار معنى العطاء الذي بتنا في أمسّ الحاجة إليه في هذه الظروف القاهرة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً