المساعدات “الخجولة” للنازحين تتحسن بفضل الأحزاب… والدولة غائبة

نور فياض
نور فياض

دخلت البلاد الشهر السابع من المواجهات على الحدود الجنوبية، حيث غادر المواطنون منازلهم من دون أخذ مستلزماتهم ونزحوا الى المناطق الأكثر أمناً في الجنوب ليبقوا على مقربة من أرضهم. وكما بات معلوماً، فان من لم يجدوا مأوى لهم لجؤوا الى المراكز التي فتحت خصيصاً لاستقبالهم أو الى استئجار الشقق، من دون أن ننسى نخوة أهل الجنوب الذين قدموا لهم منازل من دون تقاضي المال.

في الأشهر الأولى، كانت الجمعيات والأحزاب تساند النازحين عبر تقديم جميع أنواع المستلزمات لهم، ولكن لم يكن أحد يتوقّع أن تطول الحرب وبالتالي خسر النازحون منازلهم جرّاء اعتداءات العدو عليها، ويوماً بعد يوم يزداد التصعيد ما يجعل من الصعب على النازح العودة الى منزله الصامد ليجلب ما ينقصه. فهل لا تزال هذه المساعدات قائمة؟

يشير مصدر خاص مهتم بأوضاع النازحين من أكثر من ٤ مناطق حدودية لجؤوا الى البلدات المتاخمة لهم، الى أن “النازح الراشد يؤمن له ١٠٠ دولار شهرياً بالاضافة الى المساعدات العينية (فرش، حرامات، مواد غذائية أساسية…) واللافت أن أحد أصحاب الأيادي البيض في عيتا فتح صيدلية لأهالي هذه البلدة في عيتيت ليأخذوا منها ما يريدون مجاناً”.

وفي ما يتعلّق بالطبابة، يوضح المصدر عبر موقع “لبنان الكبير” أن “القطاع الصحي في لبنان ليس في أفضل حالاته ولكن عند مرض أي نازح نساعده بجزء مقبول من التكاليف فلا قدرة على تغطيتها شاملة”.

اما الجمعيات فهي تساعد بصورة متقطعة، وفي المقابل الأحزاب ومجلس الجنوب يقدمون الدعم قدر المستطاع وفقاً للمصدر الذي يؤكد أيضاً أن عدداً من النازحين بدأ العمل في الألمينيوم، الحدادة… ومنهم من يبيع الخضار لتغطية مصاريفه.

ويقول: “يقدّم لكل من دمّر منزله ولا يملك منزلاً آخر في منطقة ما ١٢ ألف دولار كتعويض سنوي، لتأمين كلفة الايجار والأثاث تُفرز من الحزب طبعاً إن توافرت فيه الشروط المطلوبة.” ويلفت الى أن “بعض المدارس استقبل الطلاب مجاناً مع المواصلات والبعض الآخر استقبلهم بنصف قسط.”

في السياق، وتحديداً في مدينة صور التي لجأ اليها العدد الأكبر من النازحين، يؤكد نائب رئيس اتحاد بلديات صور حسن حمود أن “عدد النازحين المسجلين في قضاء صور يقارب الـ ٢٧ ألفاً وهم فقط ممن لا يملكون منزلاً آخر في منطقة ثانية، وتوزّع ألف منهم على مراكز الايواء التي ارتفع عددها من ٣ الى ٥ مراكز. اما اذا حسبنا العدد الاجمالي لكل النازحين فيكون العدد فوق الـ٣٠٠ ألف نازح”، مشيراً الى أن “المساعدات في الأشهر الأولى كانت خجولة اذ كان يقدّم لكل ٧ أشخاص ثلاث فرش، ثم تحسنت بفضل الأحزاب وقلة من الجمعيات وتم تأمين الانترنت، القازانات، بالاضافة الى وجبات الطعام (ترويقة، غداء وعشاء) ولكن كلها لا تكفي والمواطن لا مال كافياً في جيبه.”

ويعتبر حمود أن “نسبة الفقر في لبنان تقارب الـ ٨٥٪؜ وبالتالي النازحون منهم، على الرغم من الفقر الا أن الحرب خلقت مشهد التكافل الاجتماعي وبات الفقير يساعد الفقير في هذه الأوضاع غير المستقرة ما خفف من أعباء النازح. وبسبب عدم توافر المال معهم أيضاً، قامت جمعية الامام الصدر بتوظيف النساء في شهر رمضان لتحضير الطعام للنازحين، وتوفير العمل لعدد أكبر منهم. تواصلنا مع جمعيات مختصة لكنها لم تتجاوب، ولا يقتصر الموضوع على ذلك، بل وجود اليد العاملة السورية بكثرة أثرت بصورة كبيرة، بالاضافة الى أن غالبية سكان المناطق الحدودية من المزارعين الذين خسروا موسم الدخان والزيتون بسبب القصف الفوسفوري.”

ويلفت الى أن “تحديات جمّة بانتظار النازح، فاليوم أولويته أن يكون في مكان آمن ولكن بعد أن تتوقف الحرب ستصبح أولوياته منزله، زراعته… وكيفية التعويض عليها وخصوصاً أن قرى عدة دمّرت بصورة تامة مثل مروحين ومنها دمّر بنسبة ٧٠٪؜، وتتضارب المعلومات حول العدد الاجمالي للوحدات السكنية المدمرة، لكن حتى الآن لا احصاءات رسمية حتى انتهاء الحرب والمسح الميداني.”

اما في ما يتعلق بالطبابة، فيقول حمود: “هذه المشكلة يعاني منها لبنان عموماً، وهي ليست وليدة اللحظة، والاحزاب لا يمكنها تغطية تكاليف ٢٦ ألف نازح، لكنها تخفّض كلفة الفحص، تُرسل المريض الى أحد الأطباء الذين تتعاون معهم. فهي تساعد قدر المستطاع، وحتى الأدوية غير متوافرة بصورة كبيرة أيضاً وخصوصاً لدى الجمعيات.”

في النبطية، عدد النازحين أقل من مدينة صور، ويقارب 3500 شخص، أي ما يقارب ٩٥٠ عائلة وفق ما يقول المهندس خضر قديح عبر “لبنان الكبير”. ويوضح أن “النازح مهما قدّم له لا يكفي، فهؤلاء تركوا منازلهم وأرضهم ولجؤوا الى أرض ليست لهم منذ سبعة أشهر، وبالتالي كل ما كانوا قد ادخروه نفد، وتوفّر لهم الأساسيات من دون الكماليات، عبر الأحزاب ومجلس الجنوب”، مشدداً على أن “الأحزاب تقدّم المساعدات العينية والمادية بصورة مستمرة لكنها تبقى مقصرة تجاههم، اما محافظ النبطية الدكتورة هويدا الترك، فلا تترك باباً مغلقاً أمام الجمعيات وكل من يقدّم المساعدات وتسعى جاهدة الى توفير كل ما يلزم للنازح.”

ويعتبر قديح أن “المعاناة اليوم خفّت بالمساعدات العينية، اذ كانت هناك صعوبة في تأمين المازوت والحطب في الشتاء، لكن الطقس أصبح دافئاً واستغنى المواطن عن التدفئة.”

وفي ما يتعلق بعمل النازحين، يؤكد قديح “أننا نشجعهم على فتح المصالح ونقف الى جانبهم دائماً عبر تسهيل المعاملات القانونية ليكونوا معينين لأنفسهم وليصبح لديهم مردود مالي حتى يستمروا في ظل هذه الظروف الأمنية التي يعيشونها. فالنبطية تستوعب الجميع والمثال على ذلك، سوق الاثنين الذي يحوي تجاراً ومحال لمختلف الجنسيات والمناطق، اما النازحون، فمنهم من فتح محلاً للحلويات في رمضان وآخرون محالاً لبيع الأدوات الكهربائية، بسطات الخضار وغيرها، ولكل رزقه.”

ويضيف: “المساعدات لا تزال على الوتيرة نفسها منذ بداية النزوح، اما الطبابة فتقدّم للنازح من خلال الأحزاب وخصوصاً حزب الله الذي يغطي الفواتير بصورة كبيرة، فالنبطية تقدّم المساعدات قدر المستطاع”.

نصف سنة على بداية الحرب، والجنوبي غائب عن أرضه ومنزله، يحصل على المساعدات بوتيرة تختلف من فترة الى أخرى، من حيث الوقت والكمية، فالدولة غائبة كلياً عن تأمينه ورعايته، وتبقى الأحزاب المساعد الأبرز. وعلى الرغم من ذلك ليست المساعدات همّ النازح الأول، بل انتهاء الحرب وعودته الى منزله، فهل يعود قريباً؟

شارك المقال