المخيمات السورية في البقاع بين الجلّاد والضحية

راما الجراح

يبدو أن مسلسل ترحيل السوريين من بعض المناطق اللبنانية طويل. فمع ارتفاع وتيرة الجرائم التي ينفذها عمال سوريون في المناطق بأشكال مختلفة وآخرها جريمة العزونية حين أقدمت مجموعة منهم على مقتل المواطن اللبناني ياسر الكوكاش بهدف السرقة، كانت المفاجأة أن العمال أنفسهم هربوا إلى البقاع وتفرقوا بين منطقتي برالياس والمرج لتصبح “العين على البقاع”. وتمحورت الشكوك حول ما إذا كانت المخيمات تحوي عصابات سرقة في المنطقة أو منظمات إجرامية، فانتفضت بلديتا برالياس والمرج وقررتا بالتعاون مع قيادة الجيش إزالة مخيمين يضمان أكثر من ١٠٠ خيمة بعدما تبين أن ٤ أشخاص ممن ارتكبوا الجريمة يقطنون فيهما.

وفي التفاصيل، ليلة ارتكاب الجريمة، توزع المجرمون بين مخيمين في البقاع، الأول في منطقة برالياس وهو كبير جداً يضم أكثر من ١٠٠ خيمة، وكل خيمة تضم أكثر من عائلة، والثاني في منطقة المرج، وأيضاً يحتوي على أكثر من ١٠٠ خيمة ويعرف بـ “مخيم رجب” نسبة الى الشاويش القديم الذي كان يعيش فيه منذ الثمانينيات، وزادت أعداد الخيم فيه بعد موجة النزوح السوري إلى لبنان عام ٢٠١٢.

لاحقت قوى الجيش الفارين إلى مخيم برالياس وبعد الضغط عليهم اعترفوا بأن زملاءهم موجودون في “مخيم رجب” في المرج، ولدى مداهمته لم يجدوا أحداً داخل الخيمة التي كان يقطنها الفارون. وبحسب رواية شاويش المخيم، أنهم جاؤوا منذ ثلاثة أيام واشتروا خيمة بصورة طبيعية من دون أن يلاحظ أحد أن هناك سبباً لوجودهم في المخيم، وبسبب كبر المساحة وأعداد الخيم الكثيرة لم يتسنَّ لأحد التعرف عليهم. وقبل مداهمة الجيش بوقت قليل جداً غادروا المخيم لأن الطعام الذي وجد في الخيمة كان لا يزال ساخناً، وبالتالي لم يقبض عليهم.

بعد المداهمة، قرر الجيش إزالة المخيم عن بكرة أبيه، وأمر الجميع بفك الخيم وتوضيب أغراضهم للمغادرة فوراً على أن تجرف الأرض مباشرة بعد خروجهم. وأمام مشهد تشرد الأطفال والنساء على الطرق مع فرشهم وأغراضهم، انتفض مشايخ المنطقة على طريقة ترحيلهم، طالبين من الجيش تعليق القرار وابقاءهم في خيمهم بسبب عدم اعطائهم مهلة لايجاد مأوى. وبعد أخذ ورد تم التراجع عن هدم المخيم من منطلق إنساني حتى لا يتشرد الأبرياء منهم، وأبقي على بعض الخيم، وخرج العشرات خوفاً من مصيبة أكبر.

رئيس بلدية المرج منور جراح قال عبر “لبنان الكبير”: “منذ اليوم لن يكون هناك أي تهاون مع أي مخيم يخرج منه سارقون أو مجرمون يذهب ضحيته لبنانيون كما حصل مع باسكال سليمان أو ياسر الكوكاش، وسيقابل بالرد نفسه وسيتم تفكيك المخيم مهما بلغت أعداد خيمه”.

ووفق معلومات حصل عليها موقع “لبنان الكبير” فان غالبية المخيمات الموجودة في المنطقة تحوي تجار ممنوعات، وتوزيع كبتاغون، وتجار أسلحة من العيار الخفيف والثقيل، وتتكرر مداهمات الجيش للمخيمات في البقاع خصوصاً في منطقتي برالياس والمرج بين فترة وأخرى للقبض على هؤلاء التجار، حتى في معظم محاضر تحقيق القوى الأمنية فان جرائم السرقة غالباً يكون منفذها سورياً. أكثر من ذلك، يعد “مخيم رجب” من أخطر المخيمات، وتدخل إليه سيارات دفع رباعي “مفيمة” بصورة شبه يومية ما أثار شكوك جيرانه اللبنانيين حول أسباب دخولها المخيم باستمرار من دون معرفة مَن بداخلها. لذلك، في بعض الأحيان في حال وجود مشتبه فيه داخل هذا المخيم تنتظر القوى الأمنية خروجه لتستطيع القبض عليه كي لا تدخل في مواجهة بالسلاح في مخيم “مدجج” به.

وتخوفت مصادر مطلعة في حديثها عبر “لبنان الكبير” من تحميل كل السوريين في لبنان وزر جرائم القتل التي تحصل مؤخراً وبدأت بقتل مسؤول “القوات اللبنانية” أي ليس من عامة الناس، ما أثار شكوك الجميع بأن الجريمة سياسية ولم ترتكب بدافع السرقة، ولا سيما بعد تصاعد وتيرة خطاب ترحيل السوريين إلى بلدهم في الآونة الاخيرة.

وكانت صحيفة “الشرق الأوسط” ذكرت نقلاً عن المدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء إلياس البيسري، أن العدد التقديري للاجئين السوريين في لبنان يبلغ مليونين و١٠٠ ألف، أي ما يعادل ٤٣ في المئة من عدد المقيمين في البلاد. وفي كانون الأول الماضي، تسلم الأمن العام قاعدة بيانات من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تشمل أسماء مليون و٤٨٦ ألف نازح، من دون تصنيف أو تحديد لتاريخ التسجيل أو الدخول إلى لبنان، ما يُعقّد تحديد الوضع القانوني لهؤلاء.

وسبق أن أشار مركز “وصول” لحقوق الانسان، الى أن “سوريا لم تبلغ حالة من الأمان المناسب لعودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم الأصلية، بحيث انهار الاقتصاد جراء النزاع القائم في البلاد، ودمر العديد من البنى التحتية والمرافق العامة والأبنية السكنية، من دون أي ملامح واضحة حول توقيت إعمارها بتنسيق دولي، ونتيجة لذلك، يعيش أكثر من ٨٠ في المئة من السكان في سوريا تحت فقر مدقع”، بحسب المركز، الذي أوصى الحكومة اللبنانية بـ”الالتزام بالاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية، وأهمها الالتزام بالمادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب التي يضمنها الدستور، ومنح اللاجئين حق الحماية القانونية، وإيقاف خطة إعادة اللاجئين وعدم ترحيلهم قسراً إلى سوريا، بالاضافة إلى إلغاء العمل بالقرارات التي تسمح بترحيلهم”.

شارك المقال