الطرابلسيّون يُحرمون من الضمان ويُواجهون تكاليف المستشفيات الخاصّة!

إسراء ديب
إسراء ديب

يخشى الكثير من الطرابلسيين فكرة الدّخول إلى مستشفيات المدينة لا سيما الخاصّة منها، بسبب التكاليف الباهظة التي يتكبّدها المواطن الذي يُواجه أزمة غير مسبوقة، ناتجة عن سوء الأوضاع المالية في البلاد، وتردّي أوضاع مؤسسة الضمان الاجتماعي، إضافة إلى قلقه من النزاعات التي تُشبه إلى حدّ كبير الصراعات “الطبقية”، بينه وبين إدارة المستشفى “البرجوازية” أو “الأرستقراطية” والتي اعتادت مشكلات شبه يومية بينها وبين ذوي المريض الذين يهتمون بصحّة مريضهم وفاتورة علاجه.

ولم يكن الإشكال الذي حصل منذ ساعات أمام أحد مستشفيات المدينة، ودفع بوحدات الجيش إلى تطويقه أمنياً، بسبب عدم إدخاله سيّدة طرابلسية لعدم توافر المال لدى ذويها، بغريب على سلوكيات المستشفيات حيناً، أو ذوي المريض حيناً آخر، بحيث تتكرّر هذه المشكلات بصورة يومية في عددٍ لا يُستهان به من المراكز الاستشفائية شمالاً، والتي باتت تشترط دخول المريض بدفع الأموال الطائلة، أو بحجزه في المستشفى حين لا يدفع المبلغ كاملاً، في مشهد يتكرّر في كلّ المحافظات. وفي المقابل، يتكرّر مشهد الاعتداءات التي تطال الطواقم الطبية على خلفية مالية يراها الكثير من المواطنين “محقّة”، بسبب تحوّل بعض المستشفيات إلى “مصاص دماء” أو أموال وربما إلى “جزّار”، وذلك وفق ما يصف مواطنون في أحد المستشفيات الذي تعرّض لاعتداء منذ أسابيع، لـ “لبنان الكبير”.

ويُؤكّد جهاد (اسم مستعار) الذي يضمن والده صحياً، وأدخله إلى مستشفى خاصّ منذ أيّام لعلاجه، أنّ إدارة المستشفى اتخذت من أوراق ضمانه هُزواً ولعباً، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “حاولنا عند الدّخولية، تأكيد رفع الضمان تكلفة الاستشفاء والأدوية بمساهمة تصل إلى 50% من الأعمال الجراحية والطبية المقطوعة والتي قيل انّها ستبدأ منذ نيسان، لكن المستشفى لم يقبل بها، وقال إنّ المساهمة من الضمان، تصل إلى 10% فقط، ثمّ تحدّث موظفون ليُؤكّدوا أنّ الضمان لا ينفع هنا، بل من الأفضل دفع المبلغ كاش، وهو 5000 دولار، بسبب مكوثه يومين تقريباً في المستشفى وإجرائه عملية بسيطة”.

وعن الاشكال بين المضمونين والمستشفيات، يلفت مصدر من الضمان- طرابلس، إلى عوامل عدّة لا بدّ من أخذها في الاعتبار في هذا المجال، العامل الأوّل ماليّ، الثاني مرتبط بوعي ذوي المريض، والثالث يتعلّق بالمستشفيات الخاصّة. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “قمنا بتعديل الأسعار في الضمان، لكنّ المستشفيات لم تعتد ذلك بعد، بل اعتادت أخذ المبلغ كاملاً من المضمون، خصوصاً بعد تأكيد بعضها رفضه للضمان أو عدم افادته منه، فيضطّر إلى دفع المبلغ كاش”.

وعن العوامل، يوضح أن “الخلل في التقديمات يضرب لبنان كلّه، لا طرابلس فحسب، ويعود إلى غياب السيولة المالية وضعف الايرادات، فالضمان كان يأخذ 675 ألفاً كحدّ أدنى، أيّ 500 دولار سابقاً، أمّا الآن فيأخذ 200 دولار اشتراكات وجباية، في وقتٍ تغيب فيه الرقابة على الفاتورة، مع العلم أنّ في كلّ مستشفى هناك طبيب ومراقب للضمان، لكنّ كثيرين من النّاس لا يعرفون هذا الأمر، فيتعرّضون للاستغلال من بعض المستشفيات الذي يُمكن أنْ يُقنعه بعدم الافادة من الضمان مادياً، لكنّه يستفيد من أوراقه المقدّمة للضمان، فيدفع لها كاش، ثمّ يحصل المستشفى على مردود آخر من الضمان”.

وإذْ يُشدّد على وجود حملة تستهدف الضمان من جهات عدّة من مصلحتها تسيير عمل شركات التأمين عبر تشويه صورة الضمان واستغلال تراجعه، يُؤكّد أنّ أبرز المشكلات التي تعترض ما يزيد عن 30 ألف مضمون في طرابلس، “يرتبط بالفوضى التي تفوق العاصمة، بوجود مستشفيات تتجاوب معنا وأخرى لا، على خلاف البيروتية التي تتجاوب بمعظمها”، لافتاً إلى أنّ المؤسسة تُحاول مساعدة المضمون قدر المستطاع لكن “هذا الأمر يحتاج إلى تعاون المستشفيات الخاصّة معنا”.

وفي الوقت الذي تُحاول فيه هيئات سياسية، واقتصادية ورجال أعمال النيل من الضمان، ترتفع نسبة شكاوى المواطنين (بعد مراجعتهم مكتب طرابلس) من تعرّضهم للغبن والاستغلال من المستشفيات، خصوصاً الراقية منها، والتي تُخفض نسب الإسهام وتتعامل مع المضمونين بفوقية، لذلك يعود الضمان ليتواصل معها سعياً إلى معرفة الأسباب وحلّها.

إلى ذلك، عمدت منال (اسم مستعار) قبيل دفع فاتورتها في أحد المستشفيات، إلى حمل أوراق ضمان والدتها، لتتأكّد من نسبة تغطية الضمان، لتُجيبها الموظفة بازدراء: “إنّ الضمان غير مقبول”. وحين قررت التوجّه إلى مكتب الضمان، اعتبرت الموظفة أنّ هذا الاجراء إهانة، وحصلت مشكلة دفعت منال إلى تقديم كتاب ضدّ المستشفى الذي تقول إنّه “استغلّ ظروف إضراب الاتحاد العمّالي الذي غيّب موظفي الضمان عن المستشفيات”. وتضيف: “لا نريد أنْ نصل إلى مكان نقول فيه إنّ الضمان مثل قلّته، ويا محلى وزارة الصحة”.

ويُعلّق رئيس اتحاد نقابات العمّال والمستخدمين في ​لبنان​ الشّمالي النّقيب شادي السيّد على “المهزلة”، قائلاً: “لن نسكت على هذه المأساة، ونطلقها صرخة مع الآلاف من المضمونين الذين لا يعترف بهم أحد، وإذا اعتُرف بهم، فسيُكلّفهم الاعتراف ثمناً باهظاً من دون إجراءات متخذة ضدّ المستشفيات، وضدّ عدم تغطية الضمان لمواطن يدفع الملايين ثمن المستحقّات”.

شارك المقال