كل يوم جريمة… ماذا يحصل؟

جورج حايك
جورج حايك

كل يوم نستيقظ صباحاً على خبر جريمة مروعة وتتعدّد الأسماء: باسكال سليمان، نزيه الترك، زينب معتوق… الأسباب منوّعة والإجرام واحد، تارة ازدهار عصابات السرقة لبنانية وسورية وتفلّت الحدود بين لبنان وسوريا والفقر والعوز، وطوراً الصراعات السياسية والاغتيالات وإنتشار السلاح، وأحياناً جرائم سببها الأمراض النفسيّة. كلها خلفياتٌ تصحّ لِما وصل إليه الوضع الأمني في لبنان، لكن يبقى السبب الأساسي تلاشي هيبة الدولة التي لم يعد المواطنون يشعرون بحضورها في أيٍّ من مرافق الحياة.

موضوعياً، يعيش لبنان ازدواجية السلاح، وهذا يتنافى مع مبادئ الدولة القوية والفعلية، وبالتالي هناك دويلة، قد لا تكون مسؤولة عن استفحال هذه الجرائم على نحو مباشر، إلا أنها تتحمّل مسؤولية غير مباشرة، لأنها أضعفت هيبة الأجهزة الأمنية والقضائية وقدرتها على المحاسبة، فالدويلة هيمنت على المؤسسات وهي تقتات من الفوضى، وبحيث باتت أكثرية المقيمين على الخريطة اللبنانية، أكانوا مواطنين أو أجانب تستسهل حمل السلاح وارتكاب الجرائم والاحتماء في بؤر أمنية لا تصل إليها الدولة.

صحيح أن الجرائم كانت تحصل في لبنان سابقاً، ولا شك في أن وسائل الاعلام تطورت بحيث تتسابق على تغطية المستجدات في هذا المجال، وبات كل مواطن قادر على التعليق على هذه الجرائم في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن هناك ارتفاع لافت في نسبة الجرائم هذه السنة، وفي نوعيتها والتفنّن بها، علماً أن الأجهزة الأمنية تقوم بواجبها وفق قدراتها وامكاناتها، وبقدر ما يسمح لها المسؤولون السياسيون بممارسة دورها من دون محسوبيات.

أما الأرقام التي زوّدتنا بها المراجع الأمنية فتعطي صورة واضحة عن ارتفاع نسبة الجرائم في سنة 2024 حتى شهر نيسان، إذ بلغ عددها 105 جرائم أدت إلى القتل، وقد ارتكبت 62 جريمة جنائية و43 أمنيّة، بحيث يكون المعدل الشهري للجرائم 26، فيما المعدل الشهري لعام 2021 17 جريمة، وعام 2022 15 جريمة، وعام 2023 18 جريمة.

واللافت أن المعتدين لا يخشون كاميرات المراقبة ولا وجود الناس في الشوارع لتنفيذ عملياتهم، كما حصل في جريمة اختطاف سليمان وقتله منذ أسابيع قليلة، إضافة إلى عمليات سطو وسرقة على طريق المطار حتى في وضح النهار ونهب للأملاك العامة والخاصة، والوضع على وسائل التواصل الاجتماعي مثل “التيك توك” ليس أفضل، بحيث تعمل عصابات منظّمة لإستغلال القاصرين.

والمدهش في موضوع الجرائم أن المجرمين لا يتسلّحون بسكين أو مسدس حربي وحسب، بل وصل الأمر إلى حملهم أسلحة رشاشة. هناك من يلجأ إلى الاعتداء الجسدي على الضحايا لإرهابهم وإجبارهم على تسليم ما لديهم، وفي معظم الأحيان يستخدمون دراجات نارية للتنقل بسهولة والهرب بسرعة بعد تنفيذ جرائمهم.

على صعيد الجرائم الجنائية، يُعتبر لبنان بلداً صغيراً من حيث المساحة وعدد سكانه ليس بالكبير. مجتمعه عشائري، بحيث يعرف سكانه بعضهم البعض، وتشكّل العلاقات الاجتماعية جزءاً أساسياً من حياتهم. وبالتالي، يكون المجرمون معروفين بالأسماء والصور، وعند وقوع أي جريمة، يتم التعرف على مرتكبها بسرعة. ونتيجة لذلك، لا تعتبر مهمة ضبط الأمن في لبنان صعبة، بل تتطلب فقط إرادة سياسية قبل الأمنية لتوقيف الجناة. أما في الجريمة السياسية والأمنية، فيختلف الوضع لأن هناك تنظيمات عسكرية غير شرعية، تسيطر على بعض المناطق بإمكانها أن تحمي المجرمين، وهذا ينطبق على جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إذ كشفت المحكمة الدولية أسماء القتلة، إلا أن مرجعيتهم أي “حزب الله” رفضت تسليمهم!

من جهة أخرى، لا يختلف اثنان على أن اللجوء السوري في لبنان بات عبئاً كبيراً، وتؤكد الوقائع أن عدداً كبيراً من الجرائم يرتكبها سوريون، وتأتي الأرقام التي حصلنا عليها من الأمن العام لتقطع الشكّ باليقين، فتبيّن أن الموقوفين السوريين بين 21 آذار 2004 و18 نيسان بلغ عددهم ما لا يقل عن 100، فيما عدد اللبنانيين لا يتجاوز الـ41. والخطير في الموضوع هو انتشار مظاهر التسلح على الطرق بين اللاجئين السوريين، وهذا ما يستدعي تحركاً جدياً لعودتهم إلى بلدهم حيث توجد مناطق آمنة لا تخضع لسلطة رئيس النظام السوري بشار الأسد، أما التابعون له فيمكنهم العودة إلى مناطقه. وبالتالي يجب الضغط على الهيئات الدولية والأوروبية التي تمنع لبنان من أي مبادرة لتنظيم عودة اللاجئين الآمنة إلى بلدهم من دون الانزلاق إلى الجانب العنصري.

ويعزو الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس سبب الارتفاع في نسبة الجرائم إلى “أسباب اقتصادية وترهّل الدولة وشعور البعض بعدم وجود عقاب وبطء القضاء في معالجة الدعاوى وتدخّل المرجعيات السياسية لحماية المجرمين، إضافة إلى انتشار السلاح بين الناس”. ويؤكد أنه “لو تمّ اصدار قرار بإعدام قتلة باسكال سليمان وزينب معتوق، لكنا سنرى المجرمين يعدّون للعشرة قبل الإقدام على أي جريمة، ولو سبّب ذلك نقمة لدى جمعيات حقوق الانسان، والأهم اليوم ضبط الحالة والأوضاع الأمنية في لبنان التي تشهد تفلتاً خطيراً”.

يوماً بعد يوم تتفاقم الأخبار الأمنية التي يتناقلها الناس بذعر وأسى في لبنان لكن من دون أن تفاجئهم، فالأوضاع المعيشية وحال الناس الاقتصادية والنفسية تجعل ما كان “ولا في الخيال” في لبنان ممكناً وينذر بالأسوأ. في بلد متخم بالصراعات السياسية والأزمات التي “دفنت” لبنان… الذي كان. ولم يعد مستغرباً أيضاً أن نقرأ خبراً عن وجود لبنان في قائمة أعلى 40 دولة بمؤشر وقوع الجرائم العالمي!

شارك المقال