الرصاص أرخص من المفرقعات النارية… وإطلاقه حرام شرعاً! 

راما الجراح

وكأن ظاهرة إطلاق الرصاص في المناسبات السعيدة والحزينة دخلت ضمن عادات وتقاليد الشعب اللبناني وخاصة في منطقة البقاع المعروفة بطابعها العشائري، وأنّ مناسبتهم لن تمر من دون ذلك الصوت المُزعج لطبلة الأُذن المُرعب لكل الأهالي القاطنين بالقرب من منازل المحتفلين، ووصلت بنا الأمور الأسبوع الفائت إلى أن نرى نداءات ودعوات على جميع مواقع التواصل الإجتماعي من غالبية الشعب اللبناني لكل منزل نال ولده أو ابنته شهادة نجاحهم أن يحتفلوا سلمياً من خلال المفرقعات النارية والابتعاد عن إطلاق الرصاص نظراً لكل المآسي والضحايا التي تشهدها مناطق لبنان كل عام لحظة صدور النتائج بسبب الرصاص الطائش الذي أودى بحياة العشرات في السنوات الماضية.

بينما كان تلامذة الشهادة الثانوية بفروعها الأربعة يحتفلون بنجاحهم الأسبوع الماضي، كان أحدهم على موعد مع اختراق رصاصة طائشة زجاج سيارته كادت تودي بحياته أو حياة أحد من أهله وعائلته في حال كان متواجداً على المقعد الأمامي في السيارة.

ويوضح محمد من البقاع الغربي “كانت ليلة أمس من أصعب الليالي التي تمر علينا في المنطقة، أولادي لم يكفوا عن البكاء بسبب أصوات الرصاص التي لم تهدأ طوال الليل بعد صدور نتائج الشهادات الثانوية، وبسبب فرحتهم الجميلة واحتفالاتهم القبيحة كدنا أن نفقد شخصاً من عائلتنا لو كان أحدهم متواجداً في السيارة لحظة سقوط الرصاصة الطائشة على الزجاج الأمامي، ما يحصل لا يتقبله لا عقل ولا دين و”الناس بلا ضمير!”.

ويضيف: “المؤسف أنه لو قدمنا شكوى بحق مطلقي النار فعقابهم يمر مرور الكرام و”سقفه” عبارة عن توقيف في نظارة المخفر وإمضاء تعهد وإذا “كبرت القصة” يدفع مبلغاً من المال ويخرج حراً طليقاً، هذا في حال لم تكن “الواسطة قدامه”، لذلك لا ثقة كبيرة للأسف بالقضاء اللبناني لأنه مسيّس وهناك محسوبيات كبيرة ولا يسعنا نحن الشعب “المعتر” إلا أن نعض على جرحنا ونسلّم أمرنا لله!”.

ويقول حسين الجدوع صاحب محل للمفرقعات النارية في منطقة سعدنايل في البقاع الأوسط لـ”لبنان الكبير” إن “الشعب اللبناني جوعان وشبعان بالنسبة لشراء المفرقعات النارية والاحتفالات، ويشهد محلي حركة بيع دائمة وكبيرة جداً خاصة في فصل الصيف الذي يعتبر موسم المناسبات والأفراح، ولكن الصدمة أن هذا العام برغم كل الصعوبات المادية لم يمتنع الناس عن شراء حتى علبة المفرقعات الكبيرة والتي تخطى سعرها المليون ل.ل وكأن الفرح بالنسبة للشعب اللبناني خط أحمر رغم كل قساوة الظروف”.

ومن ناحية أخرى يتأسف “وبرغم أن هذا المحل هو باب رزقي الوحيد ولكن استغربت وحزنت على مشهد  تدافع الأعداد الكبيرة ووقوفها بالطابور لشراء المفرقعات النارية عند صدور نتائج الشهادات الرسمية، وهي من الكماليات منذ أيام الـ ١٥٠٠ليرة  فكيف على سعر صرف الـ ٢٠ ألفاً! فمن غير المقبول أن نرى أناساً تدافع عن شرائها بأسعارها الباهظة ولو “بالدّين” فقط للتعبير عن فرحتهم بهذه الطريقة، وأيضاً لا يمكننا أن نقف بوجه فرحة الناس، ويمكن أن نعتبر هذا الإقبال على المفرقعات النارية إيجابياً كي لا يلجأ هؤلاء تحديداً إلى إطلاق الرصاص ابتهاجاً كما يحصل بشكل دائم في منطقتنا”.

ويرى أحد تُجار السلاح في منطقة البقاع أن “سبب إطلاق الرصاص بشكل كبير وظاهر في البقاع اليوم وخاصة في المناسبات، يعود إلى رخص سعره مقابل الارتفاع الجنوني لأسعار المفرقعات النارية المستوردة من الخارج بالدولار والتي تُباع على سعر صرف السوق السوداء، وللفت النظر أنه كلما كانت الأوضاع غير مستقرة في لبنان كلما كان سوق تجارة السلاح مزدهراً وبالعكس”.

وعن أسعار الرصاص يقول “الرصاصة اليوم سعرها دولار إذا أردنا بيعها “فلت” لتعبئة “مشط” سعته ٣٠ رصاصة والذي يمكن أن نعتبره خزان المسدس أو أي قطعة سلاح، أما بالنسبة لسعر الرصاصة إذا كانت متواجدة ضمن “شرحة” ينخفض سعرها إلى ٦ آلاف ليرة لبنانية فقط للرصاصة الواحدة لأنها تتضمن ٧٠٠ رصاصة”.

بدوره يعتبر الشيخ وليد اللويس أنه “كأن اللبنانيين لا يكفيهم ما حلّ بهم من مصائب وما وقع عليهم من نكبات، وكأنه لا يكفيهم ما حل ببلدهم من فساد ودمار وافلاس وانهيار حتى يحتفلوا بالنجاح أو بالأعراس من خلال إطلاق الرصاص وهذه الطريقة التي تتناقض مع مبدأ العلم والمعرفة والثقافة، ولطالما قلنا وأكدنا أن إطلاق الرصاص “حرام” فبأي شيء نخاطب اللبنانيين، إذا كنا نخاطبهم بالله وشرعه ودينه، نخاطبهم بالأخلاق والإنسانية وحقوق الآخرين وحرياتهم ولا يرتدعون، فبأي شيء نخاطبهم”؟!

ويؤكد أن “حُرمة إطلاق الرصاص هي من عدة جهات، فأولاً هو إسراف في المال والله لا يحب المسرفين، وهو أذى وضرر ورسول الله قال لا ضرر ولا ضرار، وهو ترويع وتخويف وترعيب وهذا إثم عظيم ومعصبة كبيرة عند الله، ورسول الله قال: “مَن أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها”. فكيف إذا كانت هذه الحديدة تقع على الرؤوس والسيارات وفي أرزاق الناس وتقتل. وكم فقدنا من أرواح نتيجة الرصاص الطائش”.

ويناشد اللويس  جميع أبناء البقاع ولبنان “التعاون والتكاتف لمواجهة هذه الظاهرة المستفحلة التي تتوسع على امتداد ساحة الوطن كله لنقف في وجه هذا الطيش والانفلات، فمتى يستيقظ العقل فينا ونمتنع عن هذه الظاهرة؟ ولا أظن أن بلداً غير لبنان يفرح فيه الناس بما يكون حزناً للآخرين، فأي إنسانية نصنعها في ظل هذا الواقع؟”.

عائلات كثيرة فُجعت بأبنائها نتيجة الرصاص الطائش الذي يهدد حياة المواطنين اللبنانيين عند كل مناسبة فرح تُقام في منزل فلان. وبرغم ذلك لم تقف أعداد الضحايا سداً منيعاَ أمام مطلقي الرصاص للإقلاع عن عادتهم، وكل التوقيفات التي كانت تحصل من قبل القوى الأمنية بحقهم لم تكن كافية لإثارة الرعب في نفوسهم أو امتناعهم عنها، حتى جهود الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من إطلاق حملات توعية ودعوات وغيرها لم تنفع بشيء. يبدو أن جميع المحاولات باءت بالفشل. فلنحوِ في بيوتنا خوذة ودرع حماية لكل شخص، وهذا أضعف الإيمان اتقاءً لهذا الجَهل المتغلغل في مجتمعنا بكل أسف، علّنا نستطيع حماية أنفسنا من شركائنا في الوطن.

شارك المقال