فقر مدقع وسوء تغذية وتأخّر في النمو..!

احمد ترو
احمد ترو

تدخل ذلك الحي وترى الفقر معشّشا في كل تفاصيله، وداخل كل منزل حكاية مأساة يعيشها أهله ويكافحون للتغلب عليها. في أحد تلك المنازل، ينام صبي مشلول عاجز عن تحريك قدميه، فيما الوالد يشعر بالشلل في قلبه وهو الذي يمنعه فقره من تأمين رغيف خبز لعائلته، ويبكي حين يتحدث عن طفله وهو العاجز عن تأمين كرسي متحرّك له يقيه “نومة” الأرض.

هذا ليس مشهدا من فيلم سينمائيّ بل هو مشهد من داخل أحد البيوت اللبنانية في مدينة طرابلس. دخل البيت اللبناني مرحلة الفقر المدقع والصراع من أجل البقاء ولم يعد الحد الأدنى من الغذاء متوافراً.

استبدال الزيت بالمياه

يقول رئيس “الجمعية اللبنانية الإنسانية الخيرية” ناصر خيال لـ”لبنان الكبير”: “نقوم بزيارات ميدانية إلى البيوت الفقيرة قبل أن نقدم المساعدات لها لكي نرى حال الناس بأم اعيننا. أثناء هذه الزيارات رصدنا أموراً ترفض العين رؤيتها”.

ويضيف: “أسرة مؤلفة من أربعة أشخاص، رب الأسرة بلا عمل بسبب ظروف البلد المأسوية، وعليه تسديد إيجار منزله عند نهاية كل شهر كي لا يتشرد على الأرصفة، وهو العاجز عن تأمين الطعام لأسرته، هذا الأب باع كل ما يملك خلال الفترة المنصرمة لكي يعيل أسرته”.

أما المشهد الأكثر قساوة فيتابع خيال: “شخص يرش المياه بدلا من الزيت على “عروسة الزعتر” لأنه لا يملك ثمن قنينة زيت. أحوال الناس بائسة وأوضاعهم وصلت إلى الحضيض، الناس بدأت تستخدم المواقد لأنها لا تملك ثمن قارورة غاز، وبالتالي لم يعد بمقدور أغلب اللبنانيين شراء كيلو اللحم المثلج الذي يبلغ ثمنه 70 ألف ليرة فقط”.

ويوضح: “نتائج سوء التغذية ستنعكس سلبا على صحة المواطن الجسدية والنفسية وبخاصة الأطفال، بالأمس أرضعت عائلة طفلها حليباً لا يناسب عمره ونتيجة لذلك دخل الطفل إلى المستشفى وحاله الآن حرجة. وخلال الشهرين المقبلين سنشهد أمراضا غريبة بسبب سوء التغذية، إضافة إلى إرتفاع نسبة الجرائم والسرقات فالأب الذي يريد أن يطعم أبناءه ولا يملك ثمن ربطة خبز حتما سيلجأ إلى السلوك الإجرامي وبالتالي الحوادث منتشرة بشكل واسع بخاصة في مدينة طرابلس ونحن عاجزون عن ضبطها”.

ويختم خيال: “قد تخفف البطاقة التمويلية 60 في المئة من الأعباء على المواطن إذا توزعت بين مستحقيها، أما إذا توزعت تبعاً للمحسوبيات أو كبطاقة انتخابية حينها الأوضاع ستسوء أكثر”.

هشاشة بالعظام وضعف في عضلة القلب!!

وتقول اختصاصية التغذية أريج القادري: “بالتأكيد سوء التغذية يسبّب الوفاة، فالعجز عن تأمين الغذاء يسبب أعراضاً عديدة مثل، ضعف في الجسم، ضعف في التركيز، قلة مخزون الحديد، سرعة بدقات القلب، ضعف بعضلة القلب، وتساقط للشعر، ويصبح الشخص عاجزا عن القيام بواجباته الوظيفية، وعلى المدى الطويل يصاب بترقق العظام”.

وتضيف: “سوء التغذية تبدأ أعراضه بالظهور بناء على العناصر الغذائية التي يحصل عليها الجسم، فالذي لا يمكنه اكل اللحم سوف يصاب بنقص الحديد، وفاقد الحليب سيصاب بترقق العظام؛ وهذا معناه أن فقدان الجسم لأي عنصر غذائي سينتج منه مشكلات”.

وتتابع: “المشكلة الأكبر هي لدى الأطفال تحت سن السنة لأنهم بحاجة إلى حليب خاص وهو غير متوافر، ولا يمكنهم تناول حليب البقر لأنه يسبب لهم تخزقا بالأمعاء، أما الأطفال الذين تخطوا السنة فقلة تناولهم للحليب تنتج تأخراً بالنمو، إذ إن عناصر اللحم والدواجن والأسماك الغذائية ضرورية لجسم الطفل ولا يمكن الاستغناء عنها”.

وتختم القادري: “هناك أطفال يبلغ عمرهم 12 عاماً لكن بسبب سوء التغذية يبدون وكأنهم في سنّ الثامنة، وطولهم لا يتناسب مع حجم جسمهم. وهذا الطفل إذا وقع أرضا سيصاب بكسور نتيجة هشاشة عظا، وتركيزه وإنتاجه الدراسي يتراجعان، إضافة إلى عدم قدرته على التحليل المنطقي. عندما نقول تأخراً في بالنمو هذا يعني أن الجهاز العصبي لا يعمل بالشكل المطلوب، وتقل نسبة المعادن في الجسم، فيما يصبح عرضة للأمراض والبكتيريا بشكل سريع، وبمراحل متقدمة يخفّ البصر”.

شارك المقال