التسرّب النفطي… “قنبلة موقوتة” تُهدّد عكار

إسراء ديب
إسراء ديب

بعد عودة أزمة التسّرب النفطي من أنابيب نفط العراق العابرة لسهل عكّار عبر سوريا، يعيش أهالي عكّار ولا سيما في منطقة ببنين – العبدة حالة من الرّعب بسبب الخوف من اندلاع الحرائق في أيّ لحظة، والوصول إلى انفجار ضخم لن تكون عكّار هي ضحيته الوحيدة.

قد يخشى البعض من تداعيات هذا التسرّب الخطير ولا سيما أنّه ليس الأوّل من نوعه على الإطلاق، وعلى الرّغم من تدخل منشآت نفط طرابلس، لا يزال الأهالي يُطلقون نداءات مختلفة لكلّ المعنيين بضرورة التدخل والحضّ على عدم إهمال هذا الملف الذي سيُؤدّي في حال تمّ تجاهله، إلى كارثة بيئية وإنسانية لا تُحمد عقباها، ولا سيما أنّ أهالي عكار عمومًا لم ينسوا الفاجعة التي حلّت بهم منذ أيّام، ولم يتمكّن أحد منهم من تخطّي انعكاسات الانفجار الأخير الذي ترك بصمة قاتلة وغير قابلة للنسيان.

جنبلاط وأنبوب النفط

في الواقع، فإنّ الكثير من الأسئلة والشكوك طُرحت من المواطنين بعد انتشار خبر التسرّب النفطي الذي حصل بسبب الأعطال التي طرأت على أحد أنابيب النفط شمالًا، وتكوين بحيرات تنبعث منها رائحة البترول، إذ تحدّث البعض عن احتمال تعدّي بعض الأفراد على الأنابيب لسرقة النفط منها، والبعض الآخر تحدّث عن الرّغبة في التسبّب بحرائق ضخمة في عكار، وهي أكثر الاحتمالات التي يتمّ تداولها بين الناس شمالًا وهي تزيد بشكلٍ عام من حدّة القلق والرعب الذي يعيشه المئات من العائلات القريبة من خط النفط.

وممّا ضاعف هذه الشكوك تزامن هذا الخبر مع انتهاء زيارة الوفد اللبناني إلى سوريا لبحث أزمة الوقود، إذ غرّد رئيس حزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط في حسابه بتويتر: “ما إن انتهت زيارة الوفد الرسمي اللبناني إلى سوريا حتى انفجر مجددًا أنبوب النفط في الشمال. فهل عصابات النفط المتحكمة بالمواطن وبالخزينة تريد تخريب استيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنية. أم أنّ النفط الايراني له صلة. وماذا عن المتحكّمين في الظل بوزارة الطاقة”؟

وأثارت هذه التغريدة إعجاب البعض ولا سيما الذين يرون أنّ بعض الأطراف السياسيين في البلاد لا يرغبون في إتمام الصفقات التي تُساهم في الحدّ من أزمة المحروقات وذلك لإنجاح إدخال النفط الإيراني، لكن يرفض أحد المصادر شمالًا هذا الكلام، معتبرًا أنّ كلّ هذه الأقاويل لا تمت لواقعنا بصلة. ويقول هذا المصدر لـ”لبنان الكبير: “إنّ أزمة التهريب وتخزين المحروقات شمالًا، شغلت المواطن كثيرًا وبدلًا من إعلان الثورة ضدّ الطبقة السياسية الظالمة، بات منشغلًا بلقمة عيشه التي لا يتمكّن من تأمينها كما يجب، وتالياً فرضت هذه الأزمة المعيشية والاقتصادية على هؤلاء اللجوء إلى أساليب السرقة بغية الربح لا بغية الإخلال بالأمن أو تنفيذ أجندات سياسية باتت مكشوفة… ولأنّها باتت مكشوفة لن يقوم القائمون عليها بتنفيذها بسهولة كي لا يحلّلها أو يكشف أبعادها أيّ متابع للأوضاع عمومًا، مشدّدًا على أنّ نظرية المؤامرة أصبحت غير مقنعة مؤخرًا ويجب أن لا يقبل أحد بها لأنّها لا تحمل جدّية في الطرح، ولا تمت للحقيقة بصلة”.

من جهته، يقول رئيس بلدية ببنين الدكتور كفاح الكسّار لـ “لبنان الكبير”: “هناك عامل أساسي يؤدي دوراً في حصول هذا التسرّب، ألا وهو عامل الزمن لأنّ اهتراء الأنابيب التي يزيد عمرها على الـ 50 عامًا، سيدفعها لتكون عرضة لمثل هذه الحوادث، أو لتسهيل عمليات الاعتداء عليها بهدف السرقة وغيره من الكلام الذي لا نعلم مدى دقته، لكنّنا ندرك تمامًا خطورة هذا الخط القابل للاشتعال ليمتد على طول المنطقة”.

ويُضيف: “المسألة خطيرة للغاية، والحريق الذي اندلع السنة الماضية تمكنّا من الحدّ منه قبل الوصول إلى مرحلة الانفجار الذي سيُضاهي عند اشتعاله انفجار مرفأ بيروت وبالتالي سيكون انفجارًا خطيرًا للغاية على البيئة، والقطاع الزراعي والصيد والسكان الذين لا يُخفون حالة الهلع التي أصابتهم مع عودة خبر التسرّب من جديد إلى الواجهة”.

ويُتابع: “يجب أن لا يشكك أحد بقدرة الدّولة على الحدّ من هذه المخاطر، فإن كنا ضدّ السلطة السياسية فيجب ألا نكون ضدّ دولتنا التي لا بدّ أن تفرض النظام والأمن في كلّ البلاد لأنّنا ضدّ فكرة اهتراء الدّولة، بل نحن على ثقة بالمهندسين وبقدراتهم على التحكم بعناصر الأمان وفرضها، ومنذ اللحظة الأولى التي انتشر فيها هذا الخبر، أرسلت إدارة منشآت نفط طرابلس فرقًا لتصليح الأعطال وهي كانت تُدرك تمامًا خطورة هذا الوضع، كما أنّ هناك توجهًا رسميًا لوضع هذا الموضوع على لائحة الأولويات، وأنا كنت قد أطلقت صرخة منذ نحو 8 أشهر للتدخل لعدم تمادي هذه الكارثة التي لا بدّ أن تكون قضية عامّة، لأنّ تداعياتها لا تزال خطيرة ولأنّ حماية مجتمعاتنا باتت من أهم الخطوات تفاديًا لأيّ أزمة جديدة قد تضرب الشمال وكلّ لبنان”.

وكانت إدارة منشآت نفط طرابلس تجاوبت سريعًا وأوفدت طاقمًا فنيًا، ليُباشر العمل على إصلاح الأعطال، وقد تمّ استحداث حفرة عميقة لتجميع الكمّيات الكبيرة من النفط المتسربة، ليتم شفطها إلى صهاريج خاصّة ومن ثم نقلها إلى خزانات منشآت نفط طرابلس، على أن تبدأ عملية سدّ الثقوب التي تعتري هذه الأنابيب المهترئة، والتي تمّ مدّها بين كركوك العراق وطرابلس عام 1935، ويُواكب هذه الأعمال فريق من عناصر الدفاع المدني في مركز ببنين – العبدة تحوطًا لأيّ طارئ.

شارك المقال