التعليم من بعد في طرابلس: تحدّيات وشيكة والأطفال ضحايا

إسراء ديب
إسراء ديب
في الشارع بانتظار الفرج

على وقع تحليق عدّاد فيروس كورونا في لبنان، لم تفتح المدارس أبوابها منذ أشهر، ليُواجه الكثير من الأهالي والتلاميذ مصيرهم في مواجهة كارثة تربوية لم يشهدها لبنان حتّى خلال الحرب الأهلية. فصحيح أنّ حرب الـ 75 كانت صعبة وقاسية على الشعب، وكانت تُقفل المدارس في حالة واحدة: عند القصف، ولكن مع بدء الهدنة يعود الوضع إلى طبيعته ويعود التلاميذ إلى روتين حياتهم الدراسية، دون مؤتمرات صحافية أو محاضرات تربوية.

أمّا اليوم، يُحاول الطفل أحمد(12 عامًا) التأقلم مع أسلوب الحياة الجديد الذي فرضه” التعليم عن بعد” والإقفال القسري للمدارس، وهو أسلوب لا يُزعج أحمد بقدر ما يُشعره بالقلق، من احتمال استمرار هذه الاستراتيجية التعليمية التي ألزمت جميع الطلاب والتلاميذ، سواء أكانوا من مدارس خاصّة أم رسمية باتباع نظام واحد لتلقّي المنهج الدراسي.

أحمد الذي يعيش في منطقة ضهر المغر الطرابلسية، يُحبّ التعليم ويرغب في تشجيع أيّ طفل آخر على ضرورة استكمال دراسته، “فأنا أطمح لأكون مهندسًا مدنيًا، وهذا طموح أتمنّى بلوغه يومًا ما، ولكن بعض الأطفال في هذه المنطقة وغيرها أيضًا وهم من أصدقائي يتركون المدرسة ولا يحضرون حصصهم”، لافتًا إلى أنّ “البعض منهم فعليًا يُريد اللهو واللعب، فيما حرم البعض الآخر من التعلّم بقرار من أهاليهم”.

لم يُبالغ أحمد حين قال إنّ بعض الأطفال حرموا من حقّهم في التعليم، لا سيما في بعض الأحياء الطرابلسية التي تُواجه الفقر بكلّ معانيه، فلا يُمكن إخفاء أنّ نسبة الأمّية في بعض المناطق الطرابلسية مرتفعة جدًا.

“الأون لاين” يزيد الطين بلّة

ترى شيماء(42 عامًا وهي معلّمة) أنّ من أكبر المشكلات التي تُواجهها أحياء طرابلس الشعبية هي تراجع مستوى التعليم، مؤكّدة أنّ التعليم” أون لاين” زاد الطين بلّة ولم يُسهم إلّا في تفاقم هذه الآفة التي أدّت إلى عودة الأطفال إلى الشوارع، بدلًا من اهتمامهم بتحسين مستوى دراستهم وذلك بقرار من الأهالي في هذه المناطق، نظرًا لمحدودية قدراتهم المادية أو التعليمية لأنّ الكثير منهم غير متعلّمين ولا يتمكّنون من تعيين مدرسين خصوصيين”.

ولا تُخفي أم أسعد (أم لطفلين) حسرتها على ولديها اللذين لم تتمكّن من متابعة دروسهما الافتراضية، وتقول:” أنا لا أجيد القراءة أو الكتابة، وبالتالي لن أتمكّن من متابعة الدروس “أون لاين”، هذا ما دفعني إلى تأجيل السنة الدراسية عسى أن تكون السنة المقبلة خيرًا علينا ويعود التلاميذ إلى مدارسهم”، مشدّدة على أنّها لا تُريد أن تحرمهم من الدراسة”.

ويُحاول إيهاب علّاف (29 عامًا) وهو من منطقة باب الرمل الطرابلسية، التخطيط جدّيًا لمستقبل أفضل لإبنه، ولكنّه يعترف أنّه عاجز عن تعليمه لأنّه يعمل طوال الوقت خارج المنزل هو وزوجته، فلا يتمكّن أحد من تحمّل مسؤولية تعليم ابنه. ويقول: “هاتفي الجوّال قديم ولا يُناسب هذه التكنولوجيا ولا أتمكّن بالتأكيد من شراء حاسوب جديد، فزوجتي تعمل معي ولولا عملها لن نتمكّن من العيش”.

الأنترنت رديء والجهل معيب

بدوره، يُبدي عبد القادر الحجة (45 عامًا) خوفه ممّا تُخبئه الأيّام من أزمات جديدة تُغيّر حياته نحو الأسوأ، ويقول: “ابنتي تدرس “أون لاين” ولكنّها لا تفقه شيئًا من كلّ المواد التي تتلقاها، وتجد صعوبة في حلّ المسائل لا سيما العلمية منها، فابنتي ذكية جدًا وأنا أرغب فعليًا في تعليمها ولكن الظروف صعبة جدًا ولم نكن نتوقّعها، فالإنترنت رديء للغاية، وإمكانياتنا المادّية محدودة ونعجز عن اللجوء إلى مدرّسة خصوصية التي لن تتلقّى أقلّ من 200 ألف ليرة مثلًا”.

بدورها، تأسف رزان على مستقبل ابنتها الوحيدة، فهي ترغب في تعليمها ودفعها لتكون محامية يومًا ما، ولكنّها تشعر بالأسف من الأوضاع “”التي أوصلتنا إليها الدّولة التي لم تتخذ يومًا قرارًا صحيحًا يدفعنا إلى الأفضل، فالفقر مثلًا ليس معيبًا ولكن الجهل معيب. وأنا وصلت إلى الصف الخامس فقط، وأنا تعيسة بهذا الأمر، وأحاول قدر الإمكان مواكبة ابنتي وتشجيعها ولكن لن أقبل أن تعاد الكرّة من جديد أو أن نستسلم لموجة مؤقتة، ولن أسمح لابنتي أن تكون ناقصة في مجتمع يتجه نحو التثقيف والتعليم بشكلٍ أكبر”.

أمّا معتصم (وهو يعمل في جمعية تطوّعية)، فيكشف لـ” لبنان الكبير” أنّ “بعض العصابات تُحاول استغلال الأطفال وتردّي التعليم بقيامها بترويج المخدّرات والحشيشة بينهم، وهو أمر غير مطمئن ويجب دقّ ناقوس الخطر لحماية هؤلاء الأطفال، فلماذا تهملنا الدّولة وحين يكبر هذا الطفل بهذه البيئة الموبوءة تتهمه بالإرهاب والإجرام؟ فالأطفال ضحايا هذا الجهل ولا بدّ من اتخاذ قرارات وإجراءات حاسمة للحدّ من هذه المهزلة التي لا تُشبه طرابلس والطرابلسيين”.

لم يكن الفقر يومًا عائقًا أمام تطوّر الإنسان، فالوضع الاقتصادي أو الاجتماعي مهما بلغ من صعوبة، لا يجب أن يدفع البعض إلى الاستسلام، فالتعليم أولوية وهو الوحيد القادر على انتشال المجتمع من مستنقع الجهل الذي يُدمّر أيّ دولة، فالحل الوحيد الذي يحمي المجتمع والطفولة البريئة هو إلزام التعليم مع تثقيف الأطفال وتوعيتهم مع توعية بعض الأهالي وإعادة تأهيلهم بسبب ترسبات عادات بالية، ما زالوا متمسّكين بها ولا ننكر أنّهم ضحايا كأطفالهم، ولكن الواقع الاجتماعي لا سيما في الآونة الأخيرة بات أخطر مما كان، وأصبح البعض ينشر ” السمّ” متعمّدًا لإضعاف القدرة على التغيير نحو الأفضل.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً